عاجل:

مشهد متغير في الشرق الأوسط": عودة العثمانيين" في السياسة والاقتصاد والديبلوماسية (خاص)

  • ٢٢

خاص - ايست نيوز

في عالم يركض خلف تحولات سريعة، تبدو تصريحات ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن "عودة العثمانيين" وكأنها مفتاح لفهم حركة الشرق الأوسط الأخيرة. فهو الذي اعتاد تبسيط المشهد السياسي، يصف تركيا بقيادة أردوغان بأنها استعادت دورًا لم تشهده المنطقة منذ قرون، وهي تتحرك اليوم في ساحات متشابكة بين غزة وسوريا وليبيا والسودان، تجمع بين القوة السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.

هذه العودة ليست صدفة، بل جزء من رؤية استراتيجية متكاملة، تبحث تركيا من خلالها عن نفوذ طويل الأمد، يعيد رسم الخرائط التقليدية للسياسة الإقليمية.

غزة النفوذ السياسي والاقتصادي

ففي غزة، لعبت تركيا دورًا محوريًا في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في أكتوبر 2025، وهو دور لم يقتصر على الوساطة السياسية، بل شمل الأبعاد الاقتصادية أيضًا، عبر مشاريع إعادة الإعمار الكبيرة التي شملت البنية التحتية والموانئ والمناطق الصناعية، إضافة إلى شراكات اقتصادية مع شركات محلية وإقليمية، ما يمنح أنقرة موطئ قدم اقتصادي واستراتيجي في قلب النزاع، ويحولها من وسيط إلى صانع قرار.

سوريا: السياسة، الاقتصاد، والدبلوماسية

أما في سوريا، فقد وسعت تركيا نفوذها لتحقيق أهداف متعددة تتداخل فيها السياسة بالاقتصاد والدبلوماسية. فهي تسعى للسيطرة على شمال سوريا لمنع توسع النفوذ الكردي، وتعيد رسم خطوط التجارة والمعابر لتوجيه حركة السلع بما يخدم مصالحها الاقتصادية، وفي الوقت نفسه أعادت العلاقات الدبلوماسية مع دمشق بعد سنوات من التوتر، عبر فتح القنصليات وبدء حوار مباشر، وهو ما يمنحها أدوات إضافية للتحكم في الملفات السياسية والاقتصادية، ويمكّنها من لعب دور الوسيط الإقليمي بفاعلية أكبر. إضافة إلى ذلك، تستثمر تركيا في مشاريع البنية التحتية والمناطق التجارية داخل سوريا، لتعزيز وجودها الاقتصادي على المدى الطويل وربطه بنفوذها في غزة.

خطة ترامب للسلام في غزة

في هذا السياق، تأتي خطة ترامب للسلام في غزة لتشكل فرصة إضافية لأنقرة، إذ تضمنت إنشاء مناطق اقتصادية خاصة ومشاريع إعادة إعمار شاملة بمشاركة شركات دولية، إلى جانب تشكيل قوة أمنية دولية لضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي. وبهذه الطريقة، يمكن لتركيا ربط مشاريعها في غزة بالاستراتيجية الأوسع في سوريا، مما يخلق نفوذًا متعدد الأبعاد يمتد من السياسة إلى الاقتصاد.

البعد الاقتصادي: القوة الخفية

ومع هذا، لا يمكن فهم المشهد التركي الكامل دون النظر إلى اتفاقيات التنقيب عن النفط والغاز في شرق البحر المتوسط، والتي أصبحت جزءًا أساسيًا من التنافس الإقليمي. فلبنان وإسرائيل توصلا إلى اتفاق إطار أمريكي لتحديد حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، على الرغم من استمرار الخلاف حول ترسيم الحدود البحرية. قبرص قامت بترسيم حدودها البحرية مع مصر وإسرائيل، لكنها ما زالت في نزاع غير مباشر مع تركيا، التي ترى بعض مناطق التنقيب ضمن حقوقها الاقتصادية، وتعترض على بعض الاتفاقيات البحرية للجارين اليوناني والقبرصي. سوريا أيضًا دخلت على الخط، موقعة عقودًا مع شركات روسية للتنقيب عن النفط والغاز في مياهها الإقليمية، رغم التحديات السياسية. اليونان بدورها تعزز شراكات استراتيجية مع قبرص وإسرائيل عبر مشروع “إيست ميد” لمد خط أنابيب الغاز إلى أوروبا، ما يعزز مكانتها كلاعب رئيسي في سوق الطاقة الإقليمي. كل هذه التفاعلات تظهر شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية والسياسية، تُعيد رسم خرائط النفوذ في شرق المتوسط وتربط بشكل مباشر بين المصالح الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية لكل دولة.

خطة استراتيجية

بالتالي، تصريحات بانون عن “عودة العثمانيين” لم تعد مجرد استعارة تاريخية، بل وصف دقيق لرؤية تركيا الاستراتيجية، التي تجمع بين الوساطة السياسية، المشاريع الاقتصادية، الدبلوماسية النشطة، والتحركات في مجال الطاقة، لتصبح لاعبًا محوريًا في الشرق الأوسط. تركيا اليوم لا تعمل كوسيط فقط، بل تبني شبكة نفوذ متكاملة تمتد من غزة إلى سوريا، ومن البحر المتوسط إلى ممرات التجارة البحرية، مواجهةً السياسة الأمريكية بتحديات كبيرة لتحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة.

المنشورات ذات الصلة