خاص - "إيست نيوز"
في كل يوم، يتوجّه العشرات من المواطنين إلى المخافر التابعة لقوى الأمن الداخلي لأسباب مُختلفة: استجواب، تحقيق، أو لمعرفة ما إذا كان هناك أي مُخالفة سير أو مُستحقّات قضائية.
ورغم أن الهدف من هذه الزيارة هو تطبيق القانون وحماية المواطنين، إلا أن الكثيرين يشكون اليوم من طول مدة انتظار النشرة، وهي المستند الرسمي الذي يبيّن ما إذا كان الشخص مطلوباً أو عليه مخالفة.
تروي سيدة من بيروت لـ "إيست نيوز" تجربتها الأخيرة:
"جلست أربع ساعات في المخفر، فقط لأعرف إن لم يكن هناك أي مُخالفة بحقّي. الوقت الطويل كان مُرهقاً، ليس فقط بالنسبة لي، بل أيضاً للعناصر الذين يحاولون إدارة هذا الزحام."
ويقول أسكندر ح. رجل في الثمانين من عمره من كسروان، لـ "إيست نيوز":
"ذهبتُ إلى مخفر جونيه لتسوية مسألة خلافية بسيطة، وقيل لي إنّ "النشرة" ستصدر قليل وتفاجأت أنها صدرت بعد خمس ساعات. لم أكن أعلم أنّها تحتاج كل هذا الوقت، ولم أحضر معي الأدوية الخاصّة بي. جلستُ على الكرسي أُقاوم التعب والعطش، لكن عنصر الأمن كان لطيفاً جداً، وقدّم لي القهوة والمياه. قُلت في نفسي: بحياتي مش فايت على مخفر، وما كنت متوقّع هيك انتظار!"
المواطنون ليسوا وحدهم في هذا الإنتظار الطويل. عناصر قوى الأمن الداخلي يُشيرون لـ "إيست نيوز" أن إصدار النشرة يستغرق عادة أربع إلى ستّ ساعات بسبب الإجراءات اليدوية، والتأكد من السجلات، وربط المعلومات بين مُختلف الأقسام. هذه العملية التقليدية، رغم حرصها على الدقّة، تتعارض مع مُتطلّبات العصر الحالي الذي يتسم بالسرعة والمكننة، خُصوصاً في عصر الذكاء الإصطناعي.
النشرة: أداة قانونية أساسية
النشرة، وفقاً للقوانين اللبنانية، هي الوثيقة الرسمية التي تبيّن ما إذا كان الشخص:
مطلوباً للعدالة،
عليه مخالفة سير،
أو مُرتبط بأي إجراء قضائي آخر.
ومن هنا، فإن أي تأخير في صدورها لا يؤثّر فقط على المواطن الذي يسعى لمعرفة وضعه القانوني، بل يرهق أيضاً عناصر القوى الأمنية الذين يضطرون لإدارة الملفّات يدوياً، والتأكّد من صحّة المعلومات قبل إصدار "النشرة".
ولذلك، لا يمكن لأي مُراقب أن يقلّل من جهود عناصر القوى الأمنية. كل الإحترام لعملهم المُتواصل، والالتزام بالقانون، وحسن التعامل مع المواطنين. لكن الواقع يقول إن هناك فجوة واضحة بين السرعة المطلوبة والمُمارسة الحالية.
عصر الذكاء الإصطناعي والسرعة
في وقت أصبح فيه كل شيء يُحل بـ"بِكْسة زر"، من المعاملات البنكية إلى خدمات الهاتف، يبدو غريباً أن عملية التحقق من مخالفة أو طلب رسمي تستغرق ساعات طويلة.
خُبراء في الإدارة الإلكترونية يوضحون لـ "إيست نيوز" أن تطوير نظام مركزي آلي للنشرة يمكن أن يختصر الوقت بشكل كبير، ويتيح للمواطنين معرفة وضعهم القانوني خلال دقائق، مع الحفاظ على سلامة البيانات وحقوق الجميع.
كما يشيرون إلى أن مكننة العملية لن تضعف دور العنصر الأمني، بل ستخفّف العبء الإداري عنه، وتتيح له التركيز على المهام الميدانية الأكثر أهمية، من حماية المُجتمع ومكافحة الجرائم.
آراء المواطنين والعناصر الأمنية
محمد ح.، شاب من صيدا، قال لـ "إيست نييوز": "أحياناً تنتظر في المخفر خمس ساعات فقط لتعرف أن لا شيء عليك. أشعر أن الوقت ضائع، ويمكن استخدامه بطريقة أفضل."
أما أحد ضباط القوى الأمنية، طلب عدم الكشف عن اسمه، فأكّدَ لـ "إيست نيوز" فقال: "نحن مُلتزمون بدقّة المعلومات، وأي خطأ قد يترتّب عليه تداعيات قانونية. لكن بالفعل، العملية اليوم بطيئة جداً، والحلّ مُمكن من خلال نظام رقمي مركزي."
التحديث ضرورة لا رفاهية
الحديث عن تحديث نظام النشرة ليس مجرد رفاهية، بل ضرورة تتماشى مع متطلّبات العصر. فمن جهة، المواطن يريد سرعة ووضوح، ومن جهة أخرى، الجهاز الأمني يسعى للحفاظ على الدقة والموثوقية.
نظام رقمي مركزي، مرتبط بقاعدة بيانات وطنية، يمكنه: تسريع عملية التحقق من المخالفات أو الطلبات القانونية، تقليل وقت الانتظار من ساعات إلى دقائق، تخفيف العبء على العناصر الأمنية، وضمان دقة وشفافية أكبر في إصدار النشرات.
بين القانون والسرعة
اليوم، يقف اللبنانيون عند مفترق طرق بين احترام القانون وضرورة تطويره، بين عنصر أمني مُلتزم بالقانون، ومواطن يسعى لمعرفة وضعه بسرعة، تبرز الحاجة إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي كحلّ يُوازن بين الدقة والسرعة". ففي عصر يمكن فيه تنفيذ آلاف المعاملات بكبسة زر، هل سيستمرّ المواطن في انتظار ساعات طويلة، بينما يمكن لمكننة النشرة أن تُعيد الوقت للإنسان والمجتمع؟
وهل يحتاج المواطن إلى الإنتظار ساعات في زمنٍ تُختصر فيه الحياة بثوانٍ رقمية؟
أم آن الأوان لأن تُكسر البيروقراطية القديمة وتُحدّث الدولة نفسها قبل أن تُحاسب مواطنيها؟.