عاجل:

بين وعي الإنسان وذكاء الآلة.. هل سيحلّ الذكاء الاصطناعي محلّ الأستاذ والمعلم؟ ومن ينتصر؟ (خاص)

  • ١٠٣

خاص - إيست نيوز

عبير درويش

يشهد العالم اليوم تحوّلًا جذريًا في مجالات العمل والتعليم مع صعود الذكاء الاصطناعي كقوة معرفية وتقنية غير مسبوقة. ومع تسارع التطورات في عام 2025، يطرح سؤال جوهري نفسه بإلحاح:هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ مكان المعلّم والأستاذ الجامعي؟أم أنّ دوره سيبقى مساعدًا وشريكًا في تطوير العملية التعليمية، لا بديلًا عنها؟

في هذا التحقيق، حاورت "إيست نيوز" كلا من أستاذة في الجامعة الإسلامية ومديرة المركز الديمقراطي العربي في لبنان الدكتورة فيولا مخزوم، ، والباحث في الإدارة والتنمية التنظيمية الدكتور ربيع مخلوف، للوقوف عند رؤيتهما العلمية والإنسانية حول هذه الإشكالية المعاصرة.

د. فيولا مخزوم: "الذكاء الاصطناعي شريك لا بديل"

ترى الدكتورة فيولا مخزوم أنّ الذكاء الاصطناعي أصبح أداة تعليمية ثورية تسهم في تطوير العملية الأكاديمية، لكنه لن يستطيع استبدال المعلم البشري بالكامل.ذلك "أن"التعليم ليس نقل معلومات فقط"، تقول مخزوم، "بل يتضمن أبعادًا إنسانية عميقة، من التوجيه النفسي إلى تحفيز التفكير النقدي وبناء العلاقات الاجتماعية داخل الصف."

وتضيف: "أنّ المعلم يمتلك ما لا تملكه الآلة: الحدس الإنساني، الفهم الثقافي والسياقي، والبعد الأخلاقي للتعليم. فالمعلم، كما تقول، لا يدرّس فقط بل يُلهم ويُربّي ويقود".

الوظائف الأكثر تهديدًا.. والوظائف الآمنة

وبحسب مخزوم، فإن الذكاء الاصطناعي يهدّد الوظائف القائمة على الروتين والتكرار مثل التصنيع، إدخال البيانات، التحليل الأساسي، وبعض خدمات العملاء، بينما المهن الإنسانية والإبداعية كالتدريس والطب والبحث العلمي ستبقى في مأمن. وعليه فإن"الذكاء الاصطناعي يعزز الأداء البشري، لكنه لا يمكن أن يحلّ محلّ العاطفة أو الإبداع أو الضمير المهني."

هوكينغ كان محقًا.. لكن لم نصل بعد

حول تحذيرات العالم ستيفن هوكينغ، تقول مخزوم:"هوكينغ نبّه من مخاطر الذكاء الاصطناعي العام الذي قد يتجاوز الإنسان، لكننا اليوم ما زلنا في مرحلة الذكاء الضيّق المتخصص."وتوضح أنّ ما يخشاه هوكينغ لم يتحقق بعد، لكنّ اليقظة الأخلاقية والتنظيمية باتت ضرورة لتفادي الانزلاق نحو “ذكاء غير منضبط”.

تفوّق محدود على الإنسان

تؤكد مخزوم أنّ الذكاء الاصطناعي يتفوّق على الإنسان في مهام محددة — مثل تحليل البيانات أو اللعب الاستراتيجي — لكنه لا يملك وعيًا أو إبداعًا أو إحساسًا أخلاقيًا. و“قد يتعلم الذكاء الاصطناعي بسرعة، لكنه لا يستطيع أن يحبّ أو يبدع أو يحلم، وهذه جوهر الإنسانية التي لا تُستنسخ.”

د. ربيع مخلوف: "الأستاذ لا يُستبدل.. لأنه يُلهم"

يُجمِع الدكتور ربيع مخلوف على أن الذكاء الاصطناعي أداة ثورية في التعليم، لكنه يوضح:"ما يقدّمه الذكاء الاصطناعي هو دعم شخصي للطلاب، لا بديل عن المعلّم الذي يُلهمهم ويقودهم إنسانيًا." ويستشهد بمواقف واقعية: فيقول: “كثيرون منّا كان لهم أستاذ غيّر مجرى حياتهم، لا بكتاب ولا بمنهج، بل بكلمة دعم في لحظة ضعف. هذه اللحظة لا يمكن لأي آلة أن تخلقها.”

المهن المهددة: من البرمجة إلى المحاسبة

استنادًا إلى تقارير Microsoft (2025)، وMIT، والمنتدى الاقتصادي العالمي، يوضح مخلوف أنّ الوظائف الأكثر عرضة للاستبدال هي تلك التي تعتمد على البيانات والروتين:

• البرمجة وتحليل البيانات

• المحاسبة والسكرتاريا القانونية

• خدمات الزبائن

• الترجمة والكتابة الروتينية

• أما المهن القائمة على الإبداع والتواصل الإنساني، فتبقى الأقل تهديدًا في المستقبل القريب.

هوكينغ.. والنبوءة التي تقترب

يؤكد مخلوف أنّ “تحذيرات هوكينغ لم تكن خيالًا علميًا، بل رؤية واقعية لما بدأ يتحقق اليوم.” ويقول:“نعيش بداية مرحلة فقدان الوظائف وتفاقم الفجوة الاجتماعية بسبب الذكاء الاصطناعي التوليدي.”ولكنه يضيف أنّ “التحكم الأخلاقي والتنظيمي الصارم يمكن أن يمنع تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى تهديد وجودي.”

هل يتفوّق الذكاء الاصطناعي على الإنسان قريبًا؟

يذكّر مخلوف بتصريحات شخصيات بارزة مثل سام ألتمان الرئيس التنفيذي لـOpenAI) ) ويشوا بنجيو، اللذين حذّرا من أنّ “الذكاء الاصطناعي قد يتجاوز الذكاء البشري خلال عقد من الزمن”. إلا أنّ التفوّق الكامل، برأيه، لن يكون معرفيًا فقط، بل أخلاقيًا وإنسانيًا — وهنا تظل اليد العليا للإنسان.

الإنسان أولًا.. والآلة شريكًا لا سيدًا

من خلال رؤيتي فيولا مخزوم وربيع مخلوف، تتضح معادلة المستقبل التي تقول ما معناه: "الذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للعقل البشري، بل شريك يحتاج إلى توجيه إنساني مسؤول. فالآلة قد تتفوّق في الحساب والتحليل، لكن الإنسان وحده يعرف كيف يعلّم، ويحب، ويُلهم.". وما دام في القاعة أستاذ يُصغي بعقله ويُضيء بقلبه، فلن تكون الآلة بديلًا.. بل مجرد مساعد على طريق المعرفة.


المنشورات ذات الصلة