جاء في "روسيا اليوم":
عادة ما يقوم الجانب الأضعف بالتصعيد (دون أن نخلط بينه وبين العدوان) بعد اقتناعه بعجزه عن الفوز بالوسائل المتاحة في مستوى المواجهة الراهن.
وقد كان إعلان ترمب عن إجراء تجارب الأسلحة النووية ردا على إعلان روسيا عن إجراء تجارب ناجحة على صواريخ "بوريفيستنيك" و"بوسيدون" النووية خطأ فادحا لثلاثة أسباب على الأقل.
أولا، كان هذا رد فعل عاطفي غير مدروس، يظهر لخصومه نقاط ضعفه، وبالتالي يمهد الطريق للفخاخ والتلاعب بسلوك ترمب. وهو التلاعب الذي انخرط فيه الجميع حول العالم بالفعل، بدءا من البريطانيين الذين منحوا ترمب أوسمة ملكية خلال زيارته الأخيرة، وانتهاء بتفوق كوريا الجنوبية على الجميع بتقديمها له تاجا ذهبيا. ومع ذلك رفضت سيول توقيع اتفاقية استثمار بقيمة 350 مليار دولار، إلا مقابل موافقة الولايات المتحدة على تبادل العملات، وهو قرض بنفس المبلغ.
ثانيا، تعد التجارب النووية الأميركية دليل ضعف أكثر منها ردا قويا على انتقال القدرات النووية الروسية إلى مستوى أعلى من مجرد تشغيل صاروخي "بوريفيستنيك" و"بوسيدون". فبإمكان روسيا أيضا إجراء تجارب نووية، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع إثبات امتلاكها لمثل هذه الأسلحة.
ثالثا، والأهم من ذلك كله، أن النخب الغربية قد ذهبت إلى هذا الحد في استفزازاتها وضغوطها على روسيا فقط لأن المواطنين الغربيين، الذين عاشوا طويلا في عالم خال من الحروب والمجاعات وغيرها من التهديدات الوجودية، لا يؤمنون بإمكانية نشوب حرب نووية. وبالنسبة لهم، تبقى الحرب ضد روسيا أشبه بألعاب الكومبيوتر، حيث أقصى ما يخسرونه بالتقدم إلى المستوى التالي هو المزيد من المال. لقد فقدت المجتمعات الغربية خوفها من الموت، وهي المشكلة الأكبر التي تواجه بوتين، وهو تحديدا ما دعا الخبير السياسي الروسي كاراغانوف مرارا وتكرارا لتصحيحه، بالبدء في الارتقاء على سلم التصعيد النووي.
وهنا، إذ فجأة، ويا لها من هبة! قرر ترمب بنفسه إعادة الغربيين من غيومهم الوردية إلى أرض الواقع وغرس الخوف من الحرب النووية في نفوسهم!
أعتقد أن ترمب يبحث بالفعل باستماتة عن ذريعة لإلغاء التجارب النووية التي أعلن عنها. وبرغم صعوبة تصور ذلك، فمن المفترض نظريا أن يكون هناك أشخاص جادون في فريق ترمب يستطيعون شرح الجوانب السلبية المذكورة لمبادرته هذه.
ولكن أوروبا وأوكرانيا، ومعظم النخبة الأميركية، ذهبت بالفعل إلى أبعد مما ينبغي، وأخشى أن الاستفزاز الأوكراني البريطاني المقبل ضد عنصر أو أكثر من عناصر الأسلحة النووية الروسية أمر لا مفر منه.
لست على يقين من استعداد بوتين لاتخاذ نهج التصعيد النووي بنفسه. أولا، وكما أشرت في الفقرة الأولى من هذه المقالة، يعد بوتين حاليا الطرف الأقوى، إذ يمكنه تحقيق هدفه دون تصعيد المواجهة إلى مستوى أعلى. أوكرانيا على وشك هزيمة نكراء في دونباس، وهناك احتمال كبير أن يتطور الوضع خلال بضعة أشهر إما إلى انهيار شامل للجبهة الأوكرانية أو إلى انهيار اجتماعي واقتصادي لأوكرانيا نتيجة للهجمات الروسية المستمرة على البنية التحتية الأوكرانية.
أعتقد أن اختبار "بوريفيستنيك" و"بوسيدون"، وإن كان يعتبر إيماءات تصعيدية، إلا أنه من المرجح أن يكون محاولة بوتين الأخيرة لمنع الغرب من التدخل المباشر في الحرب بأوكرانيا، ولا يعد تصعيدا حتى الآن. لكنني لست متأكدا من هذا الأمر.
أود الإشارة كذلك إلى أن بوتين قد ردّ في البداية باعتدال شديد على تهديد ترمب بتزويد أوكرانيا بصواريخ "توماهوك" ووعد فقط بتعزيز الدفاعات الجوية. لكنه صعّد موقفه بشدة لاحقا، وتوعد بـ "رد مذهل" على ضربات "توماهوك" في عمق روسيا.
ثم خرج متحدث الكرملين دميتري بيسكوف وأكد موقف روسيا بشكل أكبر، موضحا أن هذا ينطبق على الضربات بأي صاروخ بعيد المدى، وليس فقط صواريخ "توماهوك".
وربما يعكس هذا الوضع عملية اتخاذ القرار التي ينتهجها بوتين فيما يتصل باستعداده للانتقال إلى مستوى أعلى من التصعيد.
ستكون الأشهر المقبلة، وخاصة العام المقبل، اختبارا رئيسيا لترمب، وسيتسع نطاق تقلباته بين النقيضين بشكل ملحوظ. لا أعلم ما إذا كان الشعب والنخبة الروسية لا بوتين، سيتحلون بالصبر للرد بهدوء على التهديدات والاستفزازات المتزايدة.
باختصار، الوضع غامض إلى أبعد الحدود، لكنه خطير للغاية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف