عاجل:

تحرّك استثماري سعودي ـ قطري في دمشق: قراءة في الأهداف والتحديات (خاص)

  • ٨١

خاص – "إيست نيوز"

بعد سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي والسياسي، فتدفقت الوفود الخليجية إلى دمشق حاملةً عروضاً لإعادة الإعمار وإنعاش القطاعات المنهارة.

وعلى رأس هذه الدول برزت السعودية وقطر بمشروعات تتجاوز قيمتها الإجمالية عشرات المليارات من الدولارات، في مجالات الطاقة والإسكان والبنى التحتية والموانئ.

لكن هذا الاندفاع الاستثماري أثار تساؤلات عديدة: ما دوافعه؟ من المستفيد الحقيقي؟ وهل تمثّل هذه الأموال بداية تعافٍ اقتصادي فعلي أم مجرّد مدخلٍ لنفوذٍ جديد بثوبٍ اقتصادي؟

بداية جديدة

يقول الدكتور سمير أحمد، أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، في تصريح لموقع "إيست نيوز"، إن الأشهر الأولى من عام 2025 كانت حاسمة في رسم ملامح الاقتصاد السوري الجديد، موضحاً أن "السعودية وقّعت في تموز سلسلة اتفاقيات تصل قيمتها إلى نحو 6 مليارات دولار، تشمل مشاريع إسكان وسياحة وصناعة إسمنت وتطوير مرافئ"، في حين دخلت قطر على الخطّ بمشروعات طاقة تُقدّر بنحو 7 مليارات دولار لإعادة تأهيل منظومة الكهرباء وبناء محطات غاز وشمسية.

ويضيف أحمد أن هذه الأرقام "لا تعبّر فقط عن رغبة استثمارية، بل عن محاولة خليجية لاستعادة موقعٍ سياسي واقتصادي في سوريا الجديدة، من خلال ضخّ رؤوس أموال تعيد الثقة بالبيئة الاستثمارية وتخلق فرص عمل يحتاجها البلد بشدّة بعد سنوات الحرب والانهيار".

فوائد اقتصادية أولية

يرى أحمد أن هناك ثلاث دوائر رئيسية ستستفيد من هذه الاتفاقيات، عبر تحسين البنية التحتية للطاقة وتحريك سوق العمل بتوليد وظائف جديدة، إضافة إلى تخفيف الضغط المالي عن الدولة، عبر دعم خليجي موجه لسداد الديون وتمويل الرواتب في القطاع العام.

وفي هذا السياق، أعلن وزير المالية السوري محمد يسر برنية، يوم الأحد الماضي، عن توقيع اتفاقية المنحة القطرية السعودية لدعم رواتب الموظفين بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وأكد برنية أن المنحة تبلغ نحو 28 مليون دولار شهرياً لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتمديد، وستُخصّص لدعم الرواتب في القطاعات الاجتماعية.

ويعتبر أحمد أن هذا الإجراء "يمثل أول ترجمة ملموسة للتأثير الخليجي على الواقع المعيشي، لكنه يبقى مؤقتاً ما لم تُعتمد إصلاحات هيكلية تعيد إنتاج موارد الدولة بعيداً عن المساعدات".

من المستفيد الحقيقي؟

توضح الباحثة الاقتصادية ليلى كراز أن المستفيد الأول من هذه الموجة الاستثمارية هو القطاع الخاص الخليجي الذي حصل على عقود ضخمة في ظروف تفاوض مريحة، تليه الحكومة السورية التي تسعى إلى إظهار إنجازات سريعة على الأرض.

وتحذّر كراز، في تصريح ل"إيست نيوز"، أن "تركّز المشاريع في مناطق محددة مثل دمشق قد يؤدي إلى تهميش المناطق المدمّرة في الشمال والشرق، ما يخلق انقسامات اقتصادية جديدة".

وتلفت إلى أن العائد الحقيقي لسوريا لن يتحقق إلا إذا تضمّنت العقود شروطاً واضحة لتوظيف اليد العاملة المحلية ونقل التكنولوجيا، لا أن تبقى المشاريع بنظام التشغيل الكامل من قبل الشركات الخليجية.

مخاطر واستحقاقات

في موازاة الحماسة للاستثمار، تتكاثر التحذيرات من المخاطر.

وتصف كراز أن "الخطر الأول يتمثل في غياب الشفافية في منح العقود، فإعادة الإعمار بهذا الحجم تفتح شهية الفساد والمحسوبيات".

وتضيف أن الاعتماد المفرط على التمويل الخليجي قد "يخلق تبعية اقتصادية وسياسية جديدة، ويجعل سوريا رهينة لمصالح لا تنبع بالضرورة من أولوياتها التنموية". كما تؤكد أن الاستثمارات الكبرى تحتاج إلى استقرار قانوني ومؤسساتي، وإلى رفع العقوبات الدولية، وإلا فإن كثيراً من المشاريع قد تتجمّد عند حدود الوعود.

بين الأمل والحذر

رغم التحفّظات، يتفق الباحثان على أن هذه الاستثمارات تمثّل فرصة نادرة لإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية، شرط إدارتها ضمن إطار من الشفافية والحوكمة وتوزيع المشاريع بشكل عادل بين المناطق.

وتقول كراز إن "البلاد بحاجة إلى استثمارات تعالج أولاً الأزمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة، قبل التركيز على المشاريع الفاخرة أو الرمزية".

بينما يرى أحمد أن "الرقابة المالية المستقلة والحوكمة الجيدة هي الضمانة الوحيدة لتحويل الأموال الخليجية إلى رافعة حقيقية، لا إلى ورقة نفوذ سياسي".

المنشورات ذات الصلة