عاجل:

بين "الحقيقة والتنمية"… الإعلام في "صلب" رسالة عون وأبو الغيط (صور)

  • ٤٢

اشار رئيس الجمهورية جوزاف عون في كلمة له خلال افتتاح أعمال الملتقى ​الإعلام​ي العربي، أن المقولة "​الحقيقة​ مملة باهتة، والإشاعة جذابة مثيرة"، المنسوبة إلى أحد خبراء ​التواصل​، تجسد الإشكالية المطروحة اليوم، وتشكل معضلة هذا العصر، ومعاناة المسؤولين، ومسؤولية الإعلاميين.

وأوضح أن العالم يعيش في زمن انقلابي في معاييره ومقاييسه، وحتى في قيمه، "زمنٍ لم تعد الحقيقة فيه قيمة مطلقة، حتى قيل وكُتب ونُظِّر لكونه زمن ما بعد الحقيقة"، مضيفاً: "لن أغرق في البحث عن الأسباب، ولن أدّعي معرفة كيف انتقلنا من قيمة الإنتاج إلى قيمة الاستهلاك، ومن قيمة العمل إلى قيمة الثمن، ومن قيمة العقل إلى قيمة الجيب، وبالتالي من قيمة الحقيقة إلى قيمة الغريزة... المهم أننا اليوم هنا، وهذه معضلة على مستوى العالم، علينا أن نعرفها ونتعايش معها، لكن علينا أن نسعى كل لحظة إلى عدم الخضوع لها وإلى السعي لتغييرها".

وسأل :" لماذا هي معاناتنا نحن كمسؤولين؟ لأنه لا يمكن لمجتمع بشري أن يتقدم ويتطور بناءً على كذبة، ولا يمكن أن نحقق خير الإنسان إلا بالحقيقة، فالكوارث التي عرفها البشر عبر التاريخ كانت نتاج الأوهام والأكاذيب والأضاليل، والاستثمار في إثارة الغرائز والشعبويات وفي أنصاف الحقائق أو أشباهها".

وأشار إلى أن الحكم الصالح يحتاج إلى من يقول له الحقيقة، "فيما الشعبويات الكارثية وحدها تقوم على التطبيل، وطبعاً على التضليل"، مضيفاً: "هنا تكمن معاناة الحاكم المسؤول، بين واجبه في مصارحة شعبه وقيادته على درب الخلاص الصعب، وبين من يسوق الناس بالدجل إلى طرقات الجحيم الواسعة المعبدة بأعذب الكلام".

وتابع الرئيس عون: "لماذا هي مسؤوليتكم أنتم كأهل إعلام وصحافة؟ لأنكم رُسُلُ هذا العصر، والإشكاليات المطروحة عليكم كثيرة وكبيرة، خصوصاً في عالم يتطور تقنياً بشكل مذهل. مهنتكم أمضت قروناً في زمن الكلمة المكتوبة، ثم انتقلت إلى الكلمة المسموعة، ثم إلى الكلمة المرئية، أما الآن فهي تتحوّل لحظوياً إلى عوالم مذهلة من الثورة التكنولوجية التي ما زلنا في بداياتها".

وأضاف أن مسؤولية الإعلاميين "هي في البحث عن سبل البقاء رسلاً للحقيقة في قلب هذه الانقلابات، وكيفية الحفاظ على الاستقلال المالي في زمن تبتلع فيه غيلان ​التكنولوجيا​ كل شيء، والدفاع عن معادلات ​القيم​ الأساسية، ليظل الخبر سقفه الحقيقة، فلا إعلام ولا من يُعلِمون أو يَعلَمون خارجها".

وأشار إلى أن هذه المسلّمة ليست من وضعه، بل نصّ عليها الإعلان العالمي ل​حقوق الإنسان​ الذي "أعطى الجميع الحقوق والحريات في التعبير في المادة 19، لكنه أكد أيضاً في المادة 29 أنه لا يُخضع أي فرد في ممارسة حقوقه وحرياته إلا للقيود التي يقررها القانون، مستهدفاً منها ضمان الاعتراف بحقوق الآخرين واحترامها، والوفاء بمقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديمقراطي".

وأضاف: "أعرف أن مسؤوليتكم صعبة لأن معاناتنا كبيرة، ولأننا في زمن قاسٍ بقدر ما هو واعد. في مقررات كليات الإعلام القديمة، هناك معادلة ساخرة تقول إن الخبر ليس في أن كلباً عض شخصاً، بل في أن شخصاً عض كلباً، بينما في الحقيقة، الخبر الأصح هو خلاف المقولتين، فالكلب أكثر أصدقاء الإنسان وفاءً، والعضّ الوحيد هذه الأيام هو عضّ المظلوم على جرح الظلم والقهر والجوع في كل أنحاء العالم، فيما إعلام التواصل الاجتماعي منهمك بردحيات الشتائم والسباب".

وختم عون قائلاً: "مسؤوليتكم اليوم أن تجعلوا من الحقيقة مجدداً كل الخبر، فالثابت في جدلية الحقيقة و​الكذب​ة أنه يمكن تضليل بعض الناس كل الوقت، كما يمكن تضليل كل الناس بعض الوقت، لكن يستحيل تضليل كل الناس كل الوقت. ولأنكم أنتم من أنتم، ولأنكم تجتمعون في ​لبنان​، في الأرض التي وُلدت مع الكلمة وعاشت من أجل ​الحرية​ وناضلت لأجل الحقيقة، الحقيقة التي وحدها تحرّر، ووحدها تعمّر، ووحدها تحقق الخير لكل البشر، أحييكم وأتوجه بالشكر للمنظمين والمشاركين، وأؤكد أن عاش الإعلام الحر المسؤول الخيِّر، لتحيا شعوبنا بخير ومسؤولية وحرية".

بدوره، أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية ​أحمد أبو الغيط​  أن الإعلام شريك أساسي في التنمية، مشيداً بوزير الإعلام ال​لبنان​ي الدكتور بول مرقص، وواصفاً إياه بـ"الرائع".

واستهل أبو الغيط كلمته بتوجيه التحية إلى الرئيس جوزاف عون على رعايته الملتقى وحضوره، معتبراً أن ذلك يعكس اهتماماً أصيلاً بالإعلام ودوره في أن يكون جسر تواصل بين المسؤولين والمواطنين في عملية التنمية الشاملة. كما أعرب عن شكره لوزير الإعلام بول مرقص على الدعوة الكريمة للمشاركة في أعمال الدورة الحادية والعشرين للملتقى، بحضور نخبة من رجال الفكر وال​سياسة​ والإعلام والثقافة والفن من مختلف الدول العربية. وأشاد بالجهود التي تبذلها هيئة الملتقى الإعلامي العربي وأمينها العام ماضي الخميس، واصفاً الهيئة بالشريك الأصيل في مسيرة الجامعة والملتقى.

وأوضح أبو الغيط أن الملتقى يناقش اليوم علاقة الإعلام بالتنمية والدور الذي يمكن أن يؤديه في تحقيق أهدافها، لافتاً إلى أن هذه الرسالة تتطلب المهنية والموضوعية والمسؤولية في إيصالها إلى المواطنين، من أجل تعزيز مساهمتهم في العملية التنموية ومساندة الدولة في تحقيق إنجازاتها.

وشدد على أن قضية التنمية يجب أن تكون في صدارة اهتمامات الدول والمجتمعات العربية، مؤكداً أن الإعلام الواعي والمسؤول هو من يجعل المواطن أداة التنمية وغايتها في آن. واعتبر أن الإعلام يمتلك قوة تأثيرية كبيرة على مختلف فئات المجتمع، من خلال وسائله المسموعة والمرئية والتفاعلية، وأن عليه توعية المواطنين بأهمية التنمية وتحفيزهم على المشاركة فيها بشكل فاعل ومؤثر.

من جهته،  القى وزير الاعلام بول مرقص كلمة قال فيها: "عشرون عاما مضت، كان خلالها ملتقى الإعلام العربي يتنقل بين حضن الشقيقة الكويت، وحضن الأم الجامعة، جامعة الدول العربية. لكن هذا العام، اختار الملتقى حضن بيروت. فلماذا هذا الاستثناء؟ بدأت الحكاية خلال زيارتي إلى الكويت قبل خمسة أشهر، حيث غرست الفكرة كبذرة، ثم رواها الأخ ماضي خميس، وها قد أثمرت ملتقى جامعا رغم التحديات، وهو أمر نقدره ونثمنه بقلب مفتوح، لأنه عربون ثقة ووفاء كبيران للبنان، الذي وإن كان قد ضاق صدره بالأزمات، اتسع قلبه للأحباب. فكل التحايا منا لكم، وكل الامتنان على حضوركم واهتمامكم ومحبتكم".

اضاف:" في ملتقى اليوم، يرتدي لبنان حلته الحقيقية: حاميا للفكر، حاضنا للتعدد، محفزا للثقافة. إنه لبنان الحرف والحلم والحياة، لبنان الذي جعل من الكلمة وطنا، ومن الحرف حلة،

ومن الحرية حضارة. فأهلا بكم في لبنان، حيث الإعلام قلب الوطن النابض، ذلك القلب المقيم في الجغرافيا عمرا، منذ خمسة آلاف عام. هناك، في جبيل القريبة، حيث ولدت الحروف، وبدأت الحكاية حكاية أول مدينة إعلام في العالم، لا تزال تروي من لبنان إلى العالم، حكاية وطن صغير بحجمه، عظيم برسالته، خالد بعطاءاته، اسمه لبنان".

تابع:"هنا لبنان! هنا، جبران خليل جبران.هنا، ميخائيل نعيمة، ومي زيادة، وإيليا أبو ماضي، وسعيد عقل، وأمين معلوف، وغسان تويني، وطلال سلمان. هنا اللائحة تطول ولا تنتهي، وهنا، أيقونتنا فيروز تذكر العالم العربي كل صباح، أن في هذا الشرق نافذة من صوت وضوء وحنين وإبداع وإتقان اسمها لبنان". 

وسأل مرقص: "لمَ الملتقى في لبنان؟ الجواب بسيط: لأنه البلد الذي تماهى علمًا وإعلامًا وأدبًا، يوم تأسست مدرسة عين ورقة قبل 227 عامًا، وكانت أم المدراس في الشرق. 

لمَ الملتقى في لبنان؟ لأننا بلد الحرف، والحرف صار كلمة، والكلمة مقالة، والمقالة جريدة، فإعلامًا وأعلامًا، جيلًا بعد جيل". 


وتابع:"في كنف بيروت، المدينة التي عرفت باكرا معنى الكلمة ووهج الحرف، صاح ديك النهار قبل اثنين وتسعين عاما. وقبل "النهار" بسنوات، أطلقت مجلة "ألف ليلة وليلة"، وكانت الشرارة التي أضاءت درب الكلمة، لتكر السبحة وتتوالد دور النشر والصحف والمجلات، حتى غدت بيروت ورشة فكر وأدب وثقافة لا تهدأ. ولم تكتف بذلك، بل كانت أول مدينة عربية حاضنة لأول تلفزيون وأول إذاعة، لتؤكد مرة جديدة أنها ليست مجرد مدينة، بل ذاكرة ناطقة للإبداع".


وقال:"في لبنان، لطالما كان الأمل ظل القلم رغم الألم، ولطالما نكس الإعلام الأعلام إجلالا لشهداء الكلمة، لكنه أيضا رفع الأعلام لأعلام من لبنان في الأدب والفكر والطب والهندسة والفن والإبداع. وهنا نعود مرة أخيرة إلى السؤال: لمَ الملتقى في لبنان؟ لأننا في عهد جديد، عهد يملأ الوطن أملا. عهد يرفع الكلمة ويرتقي بالإعلام، عهد الرئيس جوزاف عون، الذي وعد بلبنان كما نحبه وتحبونه، وما زال على الوعد. عهد الدولة والكرامة والتجديد والنهضة والانفتاح. لذلك، بوجوده تكبر الكلمة، ويتألق الإعلام، ويتأنق ويسمو. فشكرا كبيرا لفخامة الرئيس على رعايتك وعلى حضورك".

ووجه الوزير مرقص في الختام تحية شكر "لكل اللبنانيين الذين أسهموا في إنجاح هذا الحدث، وقد فاجأوني بحجم الكرم والعطاء كرمى انجاح هذا الملتقى: شركة طيران الشرق الأوسط ممثلة برئيس مجلس ادارتها السيد محمد الحوت التي قدمت تسهيلات وتذاكر سفر وقاعات للملتقى، فنادق قدمت أجنحة وغرفًا، شركات نقل قدمت سيارات وباصات، ومطاعم، أو شركات تنظيم أو.. أو... وقبل كل شيء فريق العمل الخاص.

لولا محبتكم، وإحاطتكم، ومساهمتكم، لما أبصر هذا الحدث النور. فشكرا لكم من القلب. عاش الاعلام الحر والمسؤول، عاش لبنان".

تصوير: عباس سلمان

المنشورات ذات الصلة