عاجل:

بين "الكرسي" البلاستيكي و"شاشة المباريات": مقاهي الأرصفة في لبنان بين الصمود والانكماش (خاص)

  • ٤٤

خاص -"إيست نيوز"

عبير درويش

في السنوات الأخيرة، أصبحت مقاهي الأرصفة في لبنان مشهداً مألوفاً يمتد من المناطق الشعبية إلى قلب العاصمة. مقاهٍ تنبض بالحياة رغم كل الأزمات، تملأ الأرصفة بطاولات بلاستيكية وأراجيل وأحاديث لا تنقطع، وتُعد متنفساً اقتصادياً واجتماعياً لأصحابها وزبائنها على حد سواء.

من أكشاك صغيرة لبيع القهوة إلى مؤسسات شبه متكاملة تقدم الأراجيل، الأطعمة، الحلويات، وخدمات البث المباشر للمباريات، تحوّلت هذه المقاهي إلى ظاهرة اقتصادية لافتة تستحق التوقف عندها.

العوامل المحفّزة للانتشار

ينبع انتشار هذه المقاهي من مجموعة عوامل متشابك ومنها: :

طلب اجتماعي وثقافي مرتفع في ظل غياب المرافق العامة المجانية وتراجع القدرة الشرائية، أصبحت هذه المقاهي ملتقى شعبياً يجمع بين الترفيه، التواصل الاجتماعي، ومتابعة الأحداث الرياضية والسياسية.

تكلفة دخول منخفضة إلى السوق لا تحتاج مقاهي الأرصفة إلى استثمارات ضخمة كالمطاعم الكاملة، ما يشجع العديد من الشباب والعاطلين عن العمل على خوض غمار هذه التجربة.

مرونة قانونية وتشغيلية تتيح بعض البلديات إشغال الأرصفة بتراخيص مبسّطة أو حتى ضمن إطار غير رسمي، ما يخفف الأعباء القانونية والضريبية.

الضغوط الاقتصادية كدافع مباشر للانهيار الاقتصادي، وتفشي البطالة، دفعا المئات إلى البحث عن مصدر دخل سريع ولو محدود من خلال مشروع صغير على الرصيف.


النموذج الاقتصادي للمقاهي

تعتمد مقاهي الأرصفة على نموذج تشغيل بسيط لكنه محفوف بالمخاطر، ويتضمن:

الإيرادات اليومية: تتراوح بين 300 إلى 600 دولار يوميًا، حسب الموسم وعدد الزبائن، ما يعني دخلاً شهريًا بين 9,000 إلى 18,000 دولار.

التكاليف الثابتة: تشمل الإيجار (1000–2000 دولار)، اشتراك القنوات الرياضية (حتى 3000 دولار)، رواتب الموظفين (1000–2000 دولار)، ورسوم البلدية (500–1000 دولار).

التكاليف المتغيرة: مثل المواد الخام، الفحم، الغاز، الكهرباء، وتصل إلى 2000–4000 دولار شهريًا.

كلفة الطاقة: تتجاوز أحيانًا 1000 دولار شهريًا بسبب الاعتماد على المولدات في ظل انقطاع الكهرباء المزمن.


بين الربح والخسارة: معادلة دقيقة

مقاهٍ رابحة: تقع في مناطق حيوية (مثل الحمرا، مار مخايل، الجميزة). وتستفيد من المناسبات الرياضية والسياسية. وتقدّم خدمات إضافية (توصيل، عروض مباريات). وتُحسن إدارة الطاقة والمصاريف.

مقاهٍ خاسرة:تنتشر في مناطق أقل نشاطًا. وتعتمد فقط على الزبائن العابرين والبث الرياضي. وتفتقر لإستراتيجيات تقنين النفقات.وتتأثر بقوة بتقلبات السوق.


شهادات من الميدان

يقول علي شعبان صاحب مقهى في وسط بيروت :يشير عدد من أصحاب المقاهي إلى أن تكاليف الكهرباء تُعد العقبة الأكبر. ولذلك مع "مع غياب الدعم أو اشتراكات كهرباء بأسعار معقولة، نضطر للدفع من جيوبنا... الكهرباء تستهلك نصف أرباحنا شهريًا".

ويضيف أبو صطيف (الكفاءات):"لا يوجد عائق قانوني أمامنا طالما التزمنا بشروط البلدية. نحن نعمل وفق القانون، ونشغّل شباباً ونخلق حركة اقتصادية".

ويعترف أمير ترحيني (مقهى في صفير):"أن الاستمرار بات صعبًا، لكنّ الزبائن بحاجة لمكان يتنفسون فيه. نحن أيضاً نحتاج إلى دعم فعلي وليس مجرد تنظير".


الرؤية النقابية

يقول رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي: "أن القطاع لا يزال صامدًا بفضل إرادة أصحابه، رغم الانهيار المالي وانخفاض القدرة الشرائية. مقاهي الأرصفة أثبتت مرونتها وقدرتها على البقاء رغم الصعاب".


الدور البلدي في دعم المقاهي

كشفت مصادر محلية أن بعض البلديات وافقت على تمدد المقاهي إلى الأرصفة والطرقات (مثل بدارو والجميزة)، لتأمين موارد مالية بعد تراجع رخص البناء، في خطوة رآها البعض مثيرة للجدل، لكنّها سمحت باستمرار النشاط الاقتصادي ضمن حدود معينة.

نقاط القوة في المقاهي الناجحة

• تنويع مصادر الدخل (طعام، حلويات، توصيل).

• الاستفادة من البطولات والمناسبات لزيادة الإقبال.

• إدارة دقيقة للنفقات (خصوصاً الطاقة).

• تفاعل قوي مع المجتمع المحلي يخلق ولاءً دائمًا.

توصيات مستقبلية

1. خفض رسوم الاشتراكات الرياضية للمقاهي الشعبية.

2. دعم مشاريع الطاقة المتجددة لهذه المؤسسات.

3. تبسيط القوانين الخاصة باستخدام الأرصفة.

4. تمويل ميسر من مؤسسات صغيرة لتحسين البنية التحتية للمقاهي.


خلاصة اقتصادية

مقاهي الأرصفة ليست مجرد مشهد عابر أو "فوضى منظمة"، بل تعكس وجهاً حقيقياً من وجوه الاقتصاد غير الرسمي في لبنان.

وبالرغم من هشاشة بعض نماذج العمل، إلا أن هذه المقاهي أثبتت قدرتها على البقاء في زمن الانهيار، بل شكلت ملاذاً نفسياً واجتماعياً واقتصادياً للكثيرين.

الشارع يتكلم... والأرصفة تصمد.


المنشورات ذات الصلة