خاص - "إيست نيوز"
في ما يزال النظام المصرفي اللبناني غارقا في مآزقه المتعددة الوجوه، تتكشّف تباعًا خسائر فادحة تُهدد ما تبقّى من الثقة بالمنظومة المالية في المنطقة. وفي هذا السياق، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عن حجم الخسائر التي تكبّدها القطاع المصرفي السوري نتيجة انكشافه على المصارف اللبنانية، تزامنا مع خارطة طريق لإعادة الهيكلة، وموجّهًا، بشكل غير مباشر، رسالة للمستثمرين: لبنان لم يعد ملاذًا آمنًا، وسوريا تستعد لتكون البديل.
وفي حديث خاص مع "إيست نيوز"، قدّم خبير اقتصادي بارز قراءة تحليلية لتصريحات حاكم المصرف المركزي السوري، متناولًا تداعياتها المحتملة على الاقتصاد السوري والمشهد المالي الإقليمي. موضحا: "أن الرقم المعلن عنه من قبل حاكم البنك المركزي السوري وهو (1.6 مليار دولار) بات يُعامل كخسارة مؤكدة، ما يفرض على البنوك السورية شطب هذا المبلغ من أرباحها واعتماده كخسارة فعلية. واعتبر أن قرار تخصيص 100% من الخسائر يُعد إجراءً احترازيًا يُجنب القطاع توزيع أرباح وهمية أو الاستناد إلى موجودات لم تعد قابلة للتحصيل".
ورأى الخبير أن البيان يحمل أبعادًا سياسية واضحة، إذ يعكس قناعة السلطات السورية بأن الرهان على استعادة الأموال من المصارف اللبنانية أصبح بلا جدوى، وأن على المستثمرين تحويل بوصلتهم نحو الداخل السوري.
ورغم حجم الانكشاف، أشار الخبير عينه "إلى أن سوريا تتعاطى مع الأزمة بمنهجية شفافة وواقعية، وتُبادر إلى تطهير ميزانيات البنوك من الخسائر القديمة، تمهيدًا لجذب استثمارات جديدة وفتح الباب أمام مصارف إقليمية ودولية لدخول السوق السورية". كما لفت إلى أن مضاعفة عدد المصارف يُعبّر عن توجه حكومي لخلق بيئة مصرفية أكثر تنافسية، وأكثر قدرة على استقطاب رؤوس الأموال، في ظل بوادر تعافٍ تدريجي قد تشهده سوريا.
وذكّر الخبير بتصريح سابق نُسب إلى الرئيس بشار الأسد، أشار فيه إلى أن المصارف اللبنانية تحتفظ بما يقارب 40 مليار دولار من الأموال السورية. وإذا ما صحّ هذا الرقم، فإن الخسارة المعلنة اليوم لا تمثّل سوى جزء ضئيل من الانكشاف الكلي.
وكان حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية قال قبل أيام: "إن انكشاف البنوك السورية على المصارف اللبنانية يُقدّر بـ 1.6 مليار دولار على الأقل، مؤكدًا أنه تم توجيه البنوك لتسجيل هذه القيمة بالكامل كمخصصات مالية ضمن ميزانياتها". مضيفا: "أن أمام المصارف مهلة 6 أشهر لتقديم خطط إعادة هيكلة واضحة، كاشفًا عن خطة لمضاعفة عدد المصارف في سوريا بحلول عام 2030، في خطوة ترمي إلى إعادة تشكيل القطاع المصرفي المحلي استعدادًا لمرحلة جديدة".
واختتم بالقول إن إدخال هذه الخسائر ضمن الحسابات المحاسبية يهدف إلى تقوية موقع المصارف السورية داخليًا وخارجيًا، وتعزيز الثقة بقدرتها على تجاوز آثار الأزمة اللبنانية، تمهيدًا لانطلاقة جديدة في المشهد المالي السوري.