عاجل:

عن تعميم وزير العدل لكتاب العدل وتشدد مصرف لبنان...سرّوع لـ "إيست نيوز": إجراءات تفتح الباب أمام إصلاح مالي شامل (خاص)

  • ٥٤

خاص - "ايست نيوز"

يشهد لبنان في الأيام الأخيرة تصاعدًا في التوتر بين المسار الإصلاحي المالي والمسار السياسي، بعد أن طالت إجراءات مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب قطاعاتٍ حسّاسة، من كتّاب العدل إلى الجمعيات غير الحكومية وصولاً إلى المصارف. فالتعميم الأخير الصادر عن وزير العدل، الذي يُلزم كتّاب العدل بالتحقق من مصادر الأموال وهوية أصحاب الحقوق الاقتصادية، تزامن مع تعاميم من مصرف لبنان شدّدت القيود على التحويلات والتعاملات النقدية.

هذه الإجراءات دفعت ببعض السياسيين وأبرزهم امين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى مهاجمة ـ وزير العدل عادل نصار وحاكم المصرف المركزي كريم سعيد ـ في خطابٍ أثار جدلاً واسعًا بين من اعتبره دفاعًا عن السيادة، ومن رآه اعتراضًا على مسارٍ إصلاحي طال تأخّره.

ويبدو ان ملفّ مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب أصبح اليوم في صلب التحركات الرسمية اللبنانية، بعد سنواتٍ من التراخي والتأجيل.

التحوّل الأبرز تمثّل في التعميم الذي أصدره وزير العدل، والذي يُلزم كتّاب العدل بالتحقق من مصادر الأموال النقدية في أي معاملة مالية تُسجَّل لديهم، حتى وإن كانت المبالغ صغيرة أو لا تمر عبر النظام المصرفي.

ويتقاطع هذا الإجراء مع ما أعلنه حاكم مصرف لبنان من آليات جديدة لضبط السوق المالي ومراقبة الجمعيات غير الحكومية (NGOs) وبعض التحويلات النقدية التي كانت تُنفَّذ خارج الأطر الرسمية، في محاولة لإغلاق الثغرات التي استفاد منها الاقتصاد الموازي خلال السنوات الماضية

فالإجراءات التي اتخذت، تعكس بحسب الخبير المالي والمصرفي الدكتور جو سرّوع ـ تحوّلًا نوعيًا في مقاربة الدولة اللبنانية لهذا الملف، بما يتجاوز الاستجابة للضغوط الخارجية ليصل إلى حدّ الضرورة الوطنية.

يقول سرّوع إنّ لبنان يمتلك منذ سنوات منظومة قوانين متكاملة لمكافحة تبييض الأموال، بالإضافة إلى آليات تبادل معلومات مالية، "لكنّ المشكلة كانت دائمًا في التنفيذ، إذ لم يكن هناك تطبيق جدّي أو التزام فعلي، بل خطوات شكلية متقطّعة لا ترقى إلى مستوى الفعالية المطلوبة".

ويضيف أنّ ما قام به وزير العدل وحاكم مصرف لبنان يمثّل وضع إطار وآلية واضحة لضبط السوق المالي وتنظيم العمليات النقدية غير الشرعية، مؤكدًا أنّ هذه الإجراءات ليست "أميركية الهوى"كما يُروّج البعض، بل هي متطلبات عالمية تطبّقها جميع الدول الساعية للحفاظ على استقرارها المالي والاقتصادي.

ويتابع سرّوع: «هذه الخطوات لا تُضعف لبنان بل تقوّيه، لأنها تفتح الباب أمام إصلاح مالي شامل. فكلّ الجهات الدولية والمالية المانحة تعتبر أنّ مكافحة تبييض الأموال هي المدخل الأساسي لاستعادة الثقة بالنظام المصرفي اللبناني، والانفتاح مجددًا على الأسواق والمؤسسات المالية العالمية».

وفي السياق نفسه، جاء تعميم وزير العدل عادل نصّار رقم 1355 الصادر في 2 تشرين الأول 2025، ليُلزم كتّاب العدل بالتحقق من مصادر الأموال في أي معاملة مالية أو عقارية، ولمنع إجراء أي توثيق أو تصديق يتعلق بأشخاص أو جهات مدرجة على لوائح العقوبات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن أو وزارة الخزانة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي.

ويعتبر هذا القرار خطوة تكاملية مع جهود مصرف لبنان في تجفيف مصادر التمويل غير الشرعي، وضمان شفافية أكبر في حركة الأموال والمعاملات القانونية.

ويشير سرّوع إلى أنّ "هذه الإجراءات ليست مفروضة من الخارج ، بل تعبّر عن حاجة داخلية ملحّة لإعادة الانتظام إلى الحياة المالية في لبنان .

ويحذّر في الوقت نفسه من أنّ أيّ تدخل سياسي في عمل القضاء أو المصرف المركزي من شأنه أن ينعكس سلبًا على استقلالية المؤسستين، ويؤخّر خروج لبنان من دائرة المراقبة الدولية، خصوصًا من قبل مجموعة العمل المالي (FATF).

من هنا، يرى سرّوع أنّ الإصلاح الحقيقي يبدأ من حوكمة رشيدة تقوم على الشفافية والمساءلة، لاسيما في قطاع المشتريات العامة (Procurement)، الذي يعدّ أحد أكثر القطاعات عرضة للفساد والهدر.

وختم قائلًا: "علينا إعادة النظر في سياسات وأساليب الرقابة والضبط، والتأكد من امتلاك المؤسسات القدرات الكافية لأداء مهامها، لأنّ ذلك هو الأساس في حوكمة الدولة وضمان جودة إدارتها".

المنشورات ذات الصلة