عاجل:

ما بين بكين وواشنطن عالم جديد يتشكل... من سباق الرسوم الجمركية إلى معركة المعادن النادرة… العالم أمام ما يهدّد استقراره لعقود (خاص)

  • ٣٥

خاص -"ايست نيوز"

في عالمٍ لم يعد يحتاج إلى الدبابات ولا الطائرات كي يشنّ الحروب، تُخاض اليوم واحدة من أخطر المعارك في التاريخ الحديث. إنها حرب بلا مدافع ولا دماء، لكنها تزلزل الأسواق، وتغيّر موازين القوى بين الأمم.

الولايات المتحدة والصين، قطبا الاقتصاد العالمي، يقفان مجددًا على حافة مواجهة مفتوحة، أدواتها ليست الأسلحة التقليدية، بل الرسوم الجمركية والمعادن النادرة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

قرار ترمب يعيد إشعال المواجهة

في نيسان الماضي، وبعد أسابيع من عودته إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوم جمركية هائلة على واردات العديد من الدول، من بينها الصين والاتحاد الأوروبي، وصلت في بعض السلع إلى أكثر من 245%.

لكن الصين، بعكس كثير من الدول، لم تتراجع. بل ردّت بإجراءات مماثلة، لتندلع حرب تجارية جديدة بين أكبر اقتصادين في العالم، استخدم فيها الطرفان كل أدوات الضغط الممكنة: من الضرائب إلى التهديد بسحب الاستثمارات، ما أحدث هزّات عنيفة في الأسواق العالمية.

ومع أن الهدوء عاد مؤقتًا عبر تفاهمات جزئية، إلا أنّ قرار الصين الأخير بتشديد قيود تصدير المعادن النادرة أعاد إشعال فتيل المواجهة من جديد.

المعادن النادرة: السلاح الذي لا يُقهر

تُعدّ المعادن النادرة العمود الفقري للصناعات الحديثة: من الشرائح الإلكترونية والسيارات الكهربائية، إلى الطائرات المقاتلة والأنظمة الدفاعية الذكية.

وتمتلك الصين نحو 60% من الاحتياطي العالمي لهذه المعادن، وتُنتج أكثر من 70% من إجمالي إنتاج المناجم عالميًا، وتتحكم في 90% من عمليات التكرير والإمداد.

وبقرارٍ واحد، فرضت بكين على أي شركة تستخدم نسبة تتجاوز 0.1% من هذه المواد في منتجاتها أن تحصل على ترخيصٍ مسبق من الحكومة الصينية قبل التصدير، ما يعني أنّ الصين باتت تملك سلطة التحكّم في الصناعات العالمية.

مجلة Fortune الأميركية وصفت هذا القرار بأنه “سلاح اقتصادي رهيب قادر على شلّ الصناعات التكنولوجية الأميركية والأوروبية في آنٍ واحد”.

الرد الأميركي: تصعيد مضاد

ترمب لم يتأخر في الرد، فأعاد فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على المنتجات الصينية، تضاف إلى الـ30% السابقة، لتصل النسبة الإجمالية إلى 130%.

في المقابل، فرضت بكين رسومًا على السفن الأميركية التي تعبر موانئها، وأعلنت مقاطعة فول الصويا الأميركي، في خطوة اعتبرها مراقبون طعنة مباشرة في قاعدة ترامب الانتخابية.

فالمزارعون الأميركيون، الذين يُعتبرون أحد أعمدة دعمه السياسي، وجدوا أنفسهم فجأة أمام كساد تاريخي: أكثر من 83 مليون فدان من الأراضي المزروعة بفول الصويا بلا مشترٍ واحد، بعد أن كانت الصين تشتري منهم ما قيمته 12.6 مليار دولار سنويًا.

ولم يزد الطين بلّة سوى أن الصين لجأت إلى استيراد فول الصويا من الأرجنتين، الدولة التي كانت واشنطن قد قدّمت لها حزمة دعم مالي بـ 20 مليار دولار لإنقاذ اقتصادها المتعثر!

تحذيرات المؤسسات الدولية: الاقتصاد العالمي على المحك

في أحدث تقريرٍ له، حذّر صندوق النقد الدولي من أن استمرار الحرب التجارية قد يؤدي إلى انخفاض معدل النمو العالمي بمقدار 0.3 نقطة مئوية، فيما أشارت منظمة التجارة العالمية (WTO) إلى أن انفصال الاقتصاد الصيني عن الأميركي بهذه الوتيرة قد يكلّف العالم ما يصل إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وتؤكد تقارير اقتصادية عدة أن هذا التصعيد قد يقود إلى انكماش حاد في اقتصادات الدول النامية، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم في مختلف أنحاء العالم.

تحالف “البريكس” يدخل على الخط

في موازاة ذلك، تسعى الصين وروسيا وحلفاؤهما داخل تحالف البريكس (BRICS) إلى إطلاق نظام دفع عالمي جديد تحت اسم BRICS Pay، ليكون بديلاً عن نظام SWIFT الخاضع للهيمنة الأميركية.

النظام الجديد سيسمح للدول الأعضاء بالتبادل التجاري بعملاتها المحلية، مما يعني تقليص دور الدولار الأميركي في التجارة الدولية.

وتُظهر المؤشرات الأخيرة بالفعل تراجعًا تدريجيًا في قيمة الدولار، بالتوازي مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار الذهب، إذ تتجه البنوك المركزية حول العالم إلى تنويع احتياطاتها والابتعاد عن الدولار.

مشهد النهاية: عالم جديد يتشكل

تبدو ملامح الحرب الاقتصادية بين واشنطن وبكين أعمق من مجرد خلاف تجاري. إنها مواجهة على مستقبل النظام الاقتصادي العالمي: من يسيطر على سلاسل الإمداد، ومن يحدد قواعد التكنولوجيا، ومن يحتفظ بمفاتيح المال العالمي.

العالم اليوم يقف على أعتاب نظام اقتصادي جديد متعدد الأقطاب، قد ينهي عقودًا من الهيمنة الأميركية المطلقة.

لكن الثمن – كما يبدو – سيدفعه الجميع.

المنشورات ذات الصلة