بات القطاع غير النفطي يضطلع بدور شديد الأهمية في دفع عجلة الاقتصاد السعودي، حيث تعمل المملكة جاهدة لجعل القطاع غير النفطي قاطرة نمو اقتصاد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، ما يعكس إلى حد كبير نجاح سياسة تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، وهو أحد أبرز مستهدفات رؤية المملكة 2030.
معدلات النمو القوية التي يحققها القطاع غير النفطي الفترة الحالية، حفزت وزارة المالية السعودية نهاية الشهر الماضي لرفع تقديراتها لتوسع الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل إلى 4.6% بدلًا من 3.5% في تقديرات سابقة.
لكن استدامة نمو الاقتصاد غير النفطي في السعودية تتطلب ضخ استثمارات هائلة، تقدرها وكالة التصنيف الائتماني “موديز” بما يصل إلى 8 تريليونات ريال خلال السنوات المقبلة، في مؤشر جديد على اتساع قاعدة الاقتصاد، وبما يعزز وتيرة تنفيذ رؤية 2030 الهادفة لتنويع الأنشطة بعيدًا عن النفط، بعد مضي نحو 10 سنوات على انطلاقها.
يحتاج ذلك الأمر مساهمة من القطاع الخاص تُقدر بواقع 7 تريليونات ريال في الأنشطة غير المرتبطة بالنفط حتى 2030، إلى جانب تريليون ريال إضافية متوقعة من صندوق الاستثمارات العامة، بعدما أنفق الصندوق نحو 642 مليار ريال خلال السنوات الأربع الماضية على القطاعات ذات الأولوية في استراتيجية التنويع الاقتصادي.
قطاعات استراتيجية
وترى “موديز” أن صندوق الاستثمارات العامة، بأصوله البالغة نحو تريليون دولار، سيواصل ضخ استثماراته في القطاعات الاستراتيجية والتي تشمل الدفاع، وصناعة السيارات، والصناعات التحويلية، والسياحة، والترفيه، والمعادن والتعدين، والمرافق والطاقة المتجددة، والمياه، والتكنولوجيا، والاتصالات والإعلام، والعقارات والخدمات اللوجستية.
وعن مصادر تمويل هذه الاستثمارات، ذكرت الوكالة أنها ستأتي عبر مزيج من التدفقات النقدية الداخلية، وإصدارات الدين، وبيع الاستثمارات التي بلغت آجال استحقاقها.
ويلقى دور القطاع الخاص الدعم من تزايد نشاط الشركات المحلية والدولية العاملة في السعودية بدعم من الإصلاحات التنظيمية وتحديث البنية التحتية وارتفاع الطلب الاستهلاكي.
وعلى الرغم من أن نمو الاستثمار الأجنبي المباشر لا يزال متواضعًا، فإن استثمارات القطاع الخاص-بما في ذلك شركات محفظة صندوق الاستثمارات العامة- تكتسب زخمًا مدفوعة بالشراكات بين القطاعين العام والخاص، وفق “موديز”.
لكن مع ذلك الزخم الاستثماري المنتظر، تأتي التحديات، إذ يشير التقرير إلى أن حجم وتعقيد هذه الاستثمارات ينطوي على مخاطر، على الأخص في القطاعات ذات دورات التطوير الطويلة، مثل مدينة نيوم العملاقة، لكن “موديز” تتوقع أن يعالج الصندوق تلك التحديات عبر تنفيذ الاستثمارات على مراحل، وضبط الاستراتيجية، مع الإشراف على إدارة المخاطر والتنفيذ.
قطاعات غير نفطية تستعد للتوسع
بحسب تقرير موديز، فإن الزخم الاقتصادي غير النفطي في السعودية مرشح للاستمرار بقوة، مع تأهب 6 قطاعات رئيسية لجني مكاسب إضافية، وهي الضيافة، وتجارة التجزئة، والسياحة، والتصنيع، والتعدين، والعقارات.
وتوقعت الوكالة أن تستفيد هذه القطاعات من ارتفاع الاستهلاك المحلي، والاستثمارات الاستراتيجية، والإصلاحات التنظيمية، وتنامي مشاركة القطاع الخاص، في ظل تسارع وتيرة تنفيذ مشاريع رؤية 2030.
ضغوط التمويل
وأوضحت موديز أن بعض الشركات السعودية غير المالية قد تواجه ارتفاعًا في ضغوط التمويل، نتيجة استمرارها في تمويل توسعاتها عبر الاقتراض بيد أنها أكدت أن معظم الشركات التي تصنفها حافظت على جودتها الائتمانية خلال اقتراضها لتمويل النفقات الرأسمالية.
وأضافت أن الشركات المحتمل تعرضها لتلك الضغوط هي تلك التي قد تسجل قصورًا في التخصيص المنضبط لرأس المال، وتحديد الأولويات الاستراتيجية، واحتياطيات السيولة، والإدارة الفعالة للمخاطر.
وحذّرت من أن فشل بعض المشاريع طويلة الأجل في تحقيق أهدافها التجارية قد يعرّض الشركات لمخاطر مالية وتشغيلية، لا سيما تلك التي تعتمد على تمويلات طويلة الأجل أو ذات قدرة محدودة على الوصول إلى أسواق رأس المال.