عندما تأتي اللحظة للاحتفال بما طالبوا به، يلتزم العديد من مؤيدي حركة "فلسطين حرة" الصمت، مما يكشف أن الهدف بالنسبة لبعضهم لم يكن الحل أبداً. لي هارتلي كارتر – فوكس نيوز
يُفترض أن تكون هذه لحظة انتصار لحركة فلسطين الحرة. فوقف إطلاق النار صامد، وسحبت إسرائيل قواتها أخيراً، وتعكس عناوين الصحف العالمية ما هتف به النشطاء لأشهروهو أن معاناة غزة مهمة. ورغم أن الساحات لا تزال قائمة، لكن صوت الهتافات التي كانت تهز الجامعات في السابق تلاشى وخيم صمت مقلق. فما سبب هذه الظاهرة؟
يكمن السبب في الحقيقة بأن بعض الناشطين لا يستطيعون الاحتفال، لأن الاحتفال يشبه الاستسلام، ويقدّم علم السلوك بعض التفسيرات:
أولاً، هناك تنافر معرفي مؤثر؛ فعندما تنتهي المعاناة التي غذت قضيتك فجأة تبدو أي بادرة نحو السعادة مشينة، لا سيما أن الناشطين ما زالوا يرون مستشفيات مقصوفة وعائلات مهجّرة. ويبدو التهليل بمثابة خيانة، ليس لإسرائيل بل للحزن نفسه.
ثانياً، تخبرنا نظرية الهوية الاجتماعية أن الناس يترابطون بشكل أوثق عند مواجهة عدو مشترك. لكن عندما يتراجع العدو للحظة، يتداعى التماسك. ويمكنك رؤية ذلك في شبكات النشطاء التي تناقش الآن معايير النقاء والتسلسلات الهرمية السياسية: من هو مُعادٍ للاستعمار حقاً، ومن هو متصنّع. والصمت لا يعكس اللامبالاة بمقدار ما يعكس التشرذم.
ثم هناك مسألة الثقة؛ فالعملة العاطفية لحركة فلسطين الحرة هي أصالتها الأخلاقية المُتصوَّرة. ولهذا السبب، لا يحظى الرئيس دونالد ترامب بأيّ تقدير هنا، على الرغم من تشكيكه في المساعدات المُقدَّمة لإسرائيل. وحتى لو لبّى جميع مطالب حركة فلسطين الحرة كإنهاء الاحتلال والاعتراف الكامل والمساعدات الإنسانية، فلن يحظى بأيّ تقدير.
بالنسبة لهؤلاء الناشطين فإن اسم ترامب يذكرهم بكل ما يعارضونه: القومية والتسلسل الهرمي والقسوة المقنّعة بزي القوة. وموقفهم ليس مسألة لا مبالاة، بل هو مرتبط بالهوية.
وعندما تأتي رسالة من رمز لما تحتقره، يتلاشى معناها فور وصولها. وهذا ليس نفاقاً، بل هي طبيعة بشرية، مفادها أننا لا نسمع إلا ما يؤكد هويتنا. وما يتبقى هو فراغ من المشاعر - لا نصر ولا هزيمة، مجرد توتر مستمر. وبالنسبة لكثيرين من الناشطين هذا التوتر لا يطاق، فيصبح الصمت حماية للذات، لكن للصمت ثمن.
إن الحركة التي لا تستطيع الكلام عندما تتحسن الظروف تفقد وضوحها الأخلاقي. وإذا كان العالم لا يصغي إليك إلا عندما تكون غاضباً، فإنه يتوقف عن الإنصات عندما تكون على حق. ومأساة صمت فلسطين الحرة ليست نفاقاً، بل هي حزن عميق يكشف كيف حلت الهوية الأخلاقية محل الخيال الأخلاقي تماماً.
وللمضي قدما يجب على المؤيدين أن يتعلموا الاحتفاء بالرحمات الصغيرة دون اعتبارها خيانة، وأن ينظروا إلى التقدم ليس على أنه كمال، بل كدليل على أن الألم أصبح يُسمع أخيراً. وإلى ذلك الحين سيستمر الصمت. ليس لأنه لا يوجد ما يُقال، ولكن لأن الفرح، بعد كل هذا الغضب، يبدو غريباً على اللسان.