بقلم: عبد الهادي محفوظ
في المقابلة التي أجراها رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام مع التلفزيون الفرنسي وأعاد تلفزيون لبنان بثها كشف عن عمق في التفكير ومعرفة دقيقة بتفاصيل الوضع اللبناني والعوائق أمام بناء الدولة كما العوائق الاقليمية والدولية وشدّد على مسألة المشترك بين اللبنانيين وتغليب الوحدة الوطنية وتفهم المخاوف الطائفية وموضوع التنوع اللبناني.
ومن يريد أن يعرف كيف يفكر الدكتور نواف سلام فعليه أن يعود إلى تاريخه الجامعي. فالإنسان محكوم بماضيه. ففي هذا التاريخ الجامعي كان الدكتور نواف سلام تغييريا ومعترضا على النظام الطائفي وعلى الإقطاع السياسي وعلماني مؤمن في اعتقاده وممارسته على نمط المطران غريغوار حداد والذي كان يجد تكاملا بين القيم الدينية والعلمانية كونها تلتقي في الجانب الإنساني على اعتبار أن العلمانية لا تدعو إطلاقا إلى الإلحاد كما يفسر الجاهلون.
هكذا أنا شخصيا تعرفت عليه وقتذاك. وهو صادق وعفوي. ومن هنا إدراك ردود فعله التي لا تبطن نوايا سيئة. ومن خلفية هذا الماضي لا يبحث عن شعبوية ولا عن إثارة طوائفية أو سياسية. وهذا ما عبّر عنه بوضوح في مقابلته باللغة الفرنسية حيث بدا على حقيقته مدركا إلى ما تقوم به اسرائيل من محاولات لعدم تنفيذ القرار 1701 وللإبقاء على احتلال النقاط الخمس في الجنوب اللبناني ولممارسة الإعتداءات وسياسة الإغتيال. ولذلك تجاوز ’’قطوع صخرة الروشة‘‘ وتفهمه لاحقا واحتوى تداعياته. وشدّد على أن حكومته تعبّر عن التنوع اللبناني وعن حق المكونات بالإختلاف والتعبير عن الرأي الحر وعن إبداء وجهات النظر المختلفة التي يحتضنها البيان الحكومي بنقاط مشتركة هي الأساس. وأن الممارسة الديموقراطية مطلوبة. كما أن الوحدة الوطنية هي الأساس لمواجهة التحولات الكبرى في المنطقة التي ينبغي أن يكون لبنان جزءا منها حتى يحفظ له مكانا في الملعب من دون التضحية بالثوابت اللبنانية.
نواف سلام يراهن في مبادرة الرئيس ترامب نحو المنطقة على دور خاص للمملكة العربية السعودية ولولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان سواء على المستوى العربي أو اللبناني. ورهانه في مكانه. ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية أعطت الضوء الأخضر لدور مميز للأمير محمد بن سلمان في صياغة مستقبل المنطقة تحت المظلة الأميركية سيما وأن السعودية كانت من المساهمين الأساسيين في الديبلوماسية والممارسة في الدفع وفي الترويج للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفي كسر مشروع اسرائيل الكبرى وفي تفهم التحفظات السعودية على صياغة ’’العالم الابراهيمي‘‘ وفقا لحسابات رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو واليمين الديني اليهودي معه في الهيمنة السياسية والاقتصادية والجغرافية على المنطقة. وخصوصا تحفظ الشركات المالية الكبرى على احتلال ’’البيت الاسرائيلي‘‘ (اسرائيل الحالية) لـ’’بيوت الآخرين‘‘ في غزة ولبنان وسوريا امتدادا إلى ’’الداخل العربي‘‘.
وانتزاع المملكة العربية السعودية لدور مميز في العالم العربي ولبنان هو تعزيز فعلي لموقع الدكتور نواف سلام الذي تثق به والذي عبره تريد إقامة شراكات مع لبنان في كل المجالات وتحديدا في مجال إعادة الإعمار وتحقيق السلام الداخلي والوصل الحقيقي بين المكونات واحتضانها وفهم خصوصياتها وفي مواجهة مافيات المخدرات وتهريبها وتبييض الأموال والاتجار بأعضاء البشر والأطفال. وفي هذا السياق لا تخفي المملكة العربية السعودية إعجابها بالدكتور نواف سلام الذي يختلف عن كل رؤساء الحكومات الذين سبقوه بأنه متابع ومثابر وينفذ ما يلتزم به أو ما يرى فيه خيرا للبنان.
نواف سلام المختلف والمتفهم والذي يمدّ يديه إلى الجميع سيكون له حضوره الفاعل والجامع في الحاضر والمستقبل. فهو جزء من ماضيه المضيء حيث كانت القضية الفلسطينية في صلب اعتقاده وكذلك اعتراضه على الطوائفية السياسية والإقطاع.