خاص - "ايست نيوز"
بعد عامين من بدء العدوان على غزة في أكتوبر 2023، وما تلاه من وقف لإطلاق النار في شرم الشيخ، لا تزال الحياة في القطاع بعيدة كل البعد عن وعد "العصر الذهبي" الذي تحدث عنه بعض السياسيين. غزة اليوم مدينة أشباح، تغطيها طبقات كثيفة من الركام والغبار، حيث تختلط أصوات الصرخات والبحث عن المفقودين بصمت الحزن واليأس.
ما كان يومًا من أكثر المناطق كثافة سكانية وحياة نابضة، أصبح الآن مشهدًا من الدمار الشامل: بنايات مهدمة، شوارع مغلقة بالحطام، وبيوت أُخلي سكانها قسرًا أو دُفنت تحت الأنقاض.
"إيست نيوز" تدخل غزة
رغم التحديات الكبيرة في الاتصالات وسوء خدمات الإنترنت، تمكنت "إيست نيوز" من التواصل مع وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة التي أكدت أن التقديرات الأولية تشير إلى أن نحو 90% من البنى التحتية في شمال القطاع ومدينة غزة أصبحت غير صالحة للسكن أو التشغيل.
وأوضحت الوزارة أنها بدأت "منذ اليوم الأول للحرب المحاولة قائمة لحصر الأضرار الميدانية ومن إعلان وقف الحرب دخلت فرق الوزارة إلى مناطق خطوط التماس في المحافظات الخمس، حيث تم تسجيل المئات من الوحدات السكنية الجديدة المتضررة أو المدمرة بالكامل، مع خسائر بشرية مؤلمة فقد خلالها العديد من خيرة أبناء الوزارة حياتهم أثناء تأدية عملهم".
الغزيون ينقلون معاناتهم لـ "إيست نيوز"
الأسيرة المحررة نسرين حسن منذ ٢٠١٥، من حي البريج وأم الشهيد "عبودي" كما تحب أن تُلقَّب، تقول لـ "إيست نيوز": "فرحة عودة الأسرى تظل ناقصة وسط كل هذه الظروف، تذكرت عندما وصلت إلى غزة بعد تحريري من الأسر لم يكن المشهد هكذا كانت غزة تقف بأبنيتها الجميلة أما الآن فلا حياة".
تروي معاناتها، وتؤكد: "المعابر فُتحت، ورغم التضييق الإسرائيلي، فإن المساعدات تدخل، ولكننا لم نرَ منها شيئًا، ولا حتى كسرة خبز حتى الآن"، وتتابع: "أسعار السلع الأساسية انخفضت، وأحاول جاهدةً تأمين الطعام لأطفالي، ولكن "ما باليد حيلة" لقد خسرت مدخراتي القليلة عندما قُصف منزلي في البريج، ومشتّتون بسبب النزوح القسري من منطقة إلى أخرى". وتردف: "نحن على أبواب الشتاء والبرد يحاول الشباب في المنطقة اختراع شتى سبل الأمان والحماية من البرد القارس، ولكنها مؤقتة ولا تفي بالغرض، فالمتطلبات كثيرة، وما يُؤمَّن منها قليل جدًّا".
بدوره يقول أحمد موسى، خلال اتصال عبر تطبيق "ماسنجر" مع "إيست نيوز": "رغم انتهاء الحرب، تبقى العودة إلى الديار ناقصة؛ فبيتنا أصبح ركامًا، واستُشهد ثلاثة من إخوتي. الحياة ستكون صعبة، فلا منزل يأوينا، وجثث الشهداء التي لا تزال في المنطقة ستظل تذكّرنا بعامين عشناهما في الموت والقصف".
أما ريان النجار، فلم تتمالك دموعها، ورغم رداءة الاتصال الخلوي، كررت رسالتها مرارًا قائلة: "خلّوا صوتنا يوصل لكل العالم. نحن سنعيش بلا بيوت وسنفترش الطرقات، وعلى جميع الدول أن تشارك في إعمار غزة". وتتابع: "لم يعد لدينا ما يسدّ جوعنا، حتى وإن انتهت الحرب؛ ففرن والدي قُصف، ولم يعد لدينا أي مصدر رزق منذ نحو عام".
حجم الدمار والتحديات ضخمة
تقارير متعددة محلية ودولية توضح أن العدوان أدى إلى تدمير غير مسبوق في تاريخ غزة الحديث. وفقًا لتحليل مشترك للأقمار الصناعية صادر عن UNOSAT ومكتب OCHA الأممي:
• تضرر أكثر من 192,000 مبنى، منها أكثر من 102,000 مدمّر كليًا
• 518 من أصل 564 مدرسة تضررت أو دُمرت بالكامل
• 16 مستشفى باتت تعمل بشكل محدود
• أكثر من نصف الخسائر المالية تركزت في قطاع الإسكان وحده، حيث قدرت الخسائر المباشرة للبنية التحتية بحوالي 30 مليار دولار.
تكلفة إعادة الإعمار: أرقام صادمة
تشير تقديرات تقرير التقييم السريع المشترك الصادر عن البنك الدولي، الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي إلى أن إعادة إعمار غزة ستكلف نحو 70 مليار دولار أمريكي على مدى عشر سنوات، مع احتياجات عاجلة خلال السنوات الثلاث الأولى بحوالي 20 مليار دولار لإعادة بناء البنية التحتية الحيوية والخدمات الأساسية.
وبحسب المصادر أعلاه يُوزع هذا المبلغ على القطاعات التالية:
• الإسكان: 15.2 مليار دولار (حوالي 30% من التكاليف)
• البنية التحتية الأساسية (مياه، صحة، تعليم، نقل): 15 مليار دولار
• الخسائر الاقتصادية والاجتماعية: 19.1 مليار دولار
بالإضافة إلى ذلك، تواجه غزة تحديًا هائلًا في إدارة وإزالة الركام الذي يقدر حجمه حوالي 55مليون طن، ما يتطلب استثمارات ضخمة وفق تقرير الأمم المتحدة لإدارة الركام
الأزمة الاقتصادية والإنسانية المتفاقمة
تسببت الحرب في انكماش الاقتصاد الغزي بنسبة 83% في عام 2024، مع ارتفاع الأسعار بنسبة 300%، وزيادة أسعار المواد الغذائية بنسبة 450%، مما جعل ملايين السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي والحاجة الماسة للمساعدات.
ما تمرّ به غزة اليوم لا يمكن فصله عن السياق السياسي الأوسع للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وتعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. إعادة الإعمار وحدها لا تكفي ما لم تُرفَق برؤية سياسية واضحة تعالج جذور الأزمة وتضمن حقوق السكان في الأمن والكرامة والاستقرار. ويبقى دور الأطراف الدولية الفاعلة حاسمًا في الدفع نحو تسوية عادلة وشاملة تضع حدًا لدورات العنف المتكررة وتؤسس لسلام طويل الأمد في المنطقة.