عاجل:

الكفاءات تصرخ في وجه المحسوبيات: هل يُدفن التعليم الرسمي بقرار استثنائي؟ (خاصّ)

  • ٦٢

خاصّ- "إيست نيوز"

جوي ب حداد-

آخر فصول الجدل تفجّر مع صدور القرار القاضي بالسماح لضبّاط الجيش بالدخول إلى قطاع التعليم الثانوي الرسمي، في خطوة وصفتها رابطة الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية لعام 2016 بـ "الجائرة" والبعيدة عن روح العدالة.

هؤلاء الناجحون الذين ينتظرون منذ سنوات تثبيتهم في الملاك، رفعوا الصوت من جديد، رافضين ما اعتبروه محاولة نسف لمبدأ الكفاءة وتكافؤ الفرص في أهم قطاعات الدولة وأكثرها حساسية.

بيان صارخ ضد الاستثناءات

في بيان شديد اللهجة، أكد الناجحون أنهم يرفضون القرار القاضي بإدخال الضباط إلى التعليم الثانوي، مُعتبرين أن ذلك يشكّل ضربة لمبدأ الاستحقاق الذي قام عليه مجلس الخدمة المدنية. وأوضحوا أن من غير المنطقي أن تبقى الطاقات الأكاديمية المؤهلة خارج الملاك فيما تُفتح الأبواب أمام استثناءات لا تمت للعدالة بصلة.

سؤال إلى الحكومة ورئيسها

البيان ذهب أبعد من الرفض، فطرح تساؤلات عن مدى انسجام هذا القرار مع شعار الإصلاح الذي ترفعه الحكومة الحالية. وأتى ذكر رئيسها القاضي نواف سلام المعروف بنزاهته، مع دعوة صريحة له بعدم السماح بتمرير خطوة "تضرب جوهر التعليم الرسمي وتسيء إلى مبدأ تكافؤ الفرص". بالنسبة للناجحين، فإن سلام يقف أمام امتحان سياسي وأخلاقي قد يرسم ملامح مسار حكومته في ملفات أخرى مُماثلة.

التربية بين القانون والمحسوبيات

القضية ليست فقط نزاعاً وظيفياً بين فئات مختلفة، بل تمسّ بجوهر التعليم الرسمي في لبنان. إذ يرى المُتابعون أن إدخال استثناءات على حساب معايير مجلس الخدمة المدنية، يعني إلغاء مبدأ التنافسية والشفافية. وهذا ما يهدّد بتحويل التربية إلى ساحة للمحسوبيات، لا للجدارة. فالناجحون الذين اجتازوا الامتحانات منذ 2016 هم من كل المناطق والطوائف، وقد خضعوا لمعايير دقيقة ومعلنة، ما يضيف بعداً وطنياً ومؤسّساتياً لمطلبهم.

صوت واحد: لبنان لن ينهض إلا بالكفاءات

الناجحون ذكّروا بأنهم لم يعودوا يطالبون فقط بتثبيتهم في الملاك، بل يدافعون عن التعليم الرسمي برمّته. "لبنان لن ينهض إلا بالكفاءات، لا بالمحسوبيات"، يقولون، محذرين من أن استمرار سياسات الاستثناء والتمييز يهدّد مُستقبل آلاف الطلاب الذين يستحقون أساتذة مؤهّلين. ويشددون على أن القضية اليوم ليست مطلبية فحسب، بل قضية وطنية تتعلق بمصير التعليم العام.

صرخة تتجاوز الملاك إلى الإصلاح

في المضمون، يعكس موقف الناجحين صرخة جيل يرفض أن يُدار لبنان بعقلية "الترقيع". فالإصلاح الحقيقي يبدأ من احترام المؤسّسات، ومجلس الخدمة المدنية واحد من أبرزها. والمساس بمعاييره يعني ضرب آخر ما تبقى من جسور الثقة بين المواطن والدولة. ولذلك، فإن القضية مرشّحة لتتوسع، خصوصاً مع تضامن أساتذة وطلاب وهيئات نقابية قد ترى في القرار بداية لمسار خطير يستحق المواجهة.

بين التعليم والأمن… أيهما أولى؟

قد يرى البعض في إدخال ضباط الجيش إلى التعليم خطوة ذات بعد اقتصادي لتأمين وظائف بعد التقاعد. لكن في المقابل، يطرح الناجحون سؤالاً بديهياً: هل يجوز معالجة مشكلة الضباط على حساب قطاع التعليم الرسمي؟ وهل يُعقل أن يُستثنى من اجتاز امتحانات تنافسية لحساب من دخل بموجب قرار سياسي؟ هنا تبرز الإشكالية الأخطر: أيّ لبنان نريد؟ لبنان الكفاءة أم لبنان الاستثناءات؟

وفي المُقابل، يرى مؤيّدو القرار أنّه يوفّر حلاً عملياً لمشكلة الضبّاط بعد التقاعد، ويمنحهم فرصة للإفادة من خبراتهم في الحياة المدنية، معتبرين أنّ هذه الخطوة قد تحمل أبعاداً اجتماعية واقتصادية مهمّة.

لحظة مفصلية للتربية والدولة

الجدل الدائر اليوم يتجاوز ملف التوظيف في التعليم الثانوي، ليكشف عن صراع أعمق بين منطق الدولة ومنطق التسويات. فالحكومة أمام اختبار مصيري: إمّا أن تنتصر للكفاءة والعدالة، أو أن ترضخ مجدّداً لمنطق الاستثناءات الذي دمّر مؤسّسات لبنان.

فهل يُكتب للتعليم الرسمي أن يبقى منارة للكفاءات، أم يتحوّل إلى ضحية جديدة في بازار التسويات؟


المنشورات ذات الصلة