عاجل:

الحدود اللبنانية _ السورية: من خطوط النار إلى معابر السيادة (نداء الوطن)

  • ٢٨

كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:

لم تعد الحدود اللبنانية السورية مجرّد خط جغرافيّ يفصل بين دولتين، بل تحوّلت إلى مقياس فعليّ لمدى استعادة كلّ من بيروت ودمشق سيادتيهما، بعد عقود من التداخل الأمني والفوضى التي غذتها الحروب والتهريب، وشكّلت ملفًا حسّاسًا تجمعه توترات سياسية وأمنية متكرّرة، وضعت تباشير حلّه على السكة الصحيحة بعد سقوط نظام الأسد.

حملت زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني إلى لبنان منذ أيام بعدًا جديدًا في العلاقات اللبنانية السورية، وجاءت في سياق ترتيب المشهد الإقليمي بعد هروب الأسد، وترتيب العلاقة على أساس التعاون واحترام السيادة، وبداية تحوّل جذريّ في مقاربة العديد من الملفات العالقة بين البلدين، لا سيّما التحدّيات العميقة على الحدود اللبنانية السورية ومنها الشرقية، حيث تنتشر عمليات التهريب، ليطرح الملف كمدخل إلى استعادة السيادة الأمنية.

خلق سقوط النظام السوري في كانون الأوّل الماضي فراغًا أمنيًا في بعض المناطق الحدودية، استغلّته بعض الأطراف وشبكات التهريب، لتكريس خطوط نقل الأسلحة وتهريب المواد والمحروقات، قبل أن تعيد القوات السورية الجديدة إعادة تموضعها على الحدود، وتفتح آفاق التعاون مع الجيش اللبناني المنتشر على طول الحدود الشرقية والشمالية المحاذية لسوريا، فأثمر التنسيق عن ضبط الجيش اللبناني عشرات عمليات تهريب الأسلحة ضمن الأراضي اللبنانية بعد عبورها من سوريا، كذلك توقيف الإدارة السورية عمليات مماثلة قبل اجتيازها الحدود كان آخرها يوم أمس.

ووفق مصادر متابعة لـ “نداء الوطن”، أكدت أن ملف ضبط الحدود كان حاضرًا في لقاءات ومباحثات الشيباني، وأن دمشق تريد إعادة تنظيم العلاقة مع لبنان على أساس من التعاون الأمني واحترام السيادة للبلدين. وعليه، بدأ الجانب السوري منذ مطلع أيلول تنفيذ خطة ميدانيّة لإعادة الانتشار على طول الشريط الحدودي الممتدّ من القصير إلى معربون، وقام بإغلاق المنافذ غير الشرعية بالسواتر الترابية، كذلك عمّمت الإدارة السورية الجديدة على سكان القرى الحدودية الامتناع عن التوجّه نحو الحدود، في خطوة فهمت أنها تهيئة لإطلاق عمليات تمشيط وملاحقة لشبكات التهريب التي استعادت نشاطها.

هذه الخطوات تأتي متزامنة مع الجهود اللبنانية التي يقوم بها الجيش اللبناني، في تعزيز انتشاره على طول الحدود، وتوسيع عمليات المراقبة، وإقفال المعابر غير الشرعية التي لا تضرّ فقط بالأمن، بل بالاقتصادين اللبناني والسوري، ليبقى ملف الترسيم من القضايا المعقدة لأسباب تاريخية وجغرافية، واختلاف الخرائط والمستندات، والتداخل السكاني.

وتشير المصادر إلى أن ضبط الحدود لا يمكن أن يكتمل من دون معالجة جذريّة لمعضلة الترسيم، ورغم المؤشرات الإيجابية التي تصدر عن نية البلدين الشروع في الحلّ، تبقى العبرة في التنفيذ. فمنذ الاستقلال، بقي الخط الفاصل بين البلدين فضفاضًا، إذ لم تستكمل عمليات الترسيم القانونية، ما ترك مساحات رمادية تتداخل فيها الأملاك والأراضي والقرى. وعليه، يواجه لبنان وسوريا تحدّيات جوهرية في الترسيم، فالمساحة الجبلية الوعرة، والتداخل السكاني، والمصالح الاقتصادية التي ارتبطت بالتهريب لعقود، جميعها تصعّب مهمّة السيطرة الكاملة، ولكون القوى السياسية منقسمة حول الملف، وزاد من حدّة انقسامها رحيل الأسد، والنظر إلى الترسيم من باب تكريس وصاية جديدة.

وتختم المصادر أن أهمية التحوّل في العلاقة بين لبنان وسوريا بعد زيارة الشيباني، لا تقتصر على الأمن، فترسيم الحدود وضبطها يشكلان اختبارًا لسيادة الدولة اللبنانية في منع دخول السلاح غير الشرعي، واختبارًا لسوريا الجديدة في رغبتها في قطع ارتباطها بشبكات تهريب كانت تعمل تحت غطاء أجهزة النظام السابق.

من هنا، فإن نجاح ضبط الحدود، وتاليًا الترسيم، يعني تحوّل المعابر من نقاط اشتباك إلى منافذ شرعية للتبادل والتعاون، وينقلها من معابر للتهريب إلى منافذ للسيادة، ويضع حدًا لاستخدام الحدود كمساحة نفوذ أو ممرّ للنفوذ الإقليمي.


المنشورات ذات الصلة