عاجل:

"انقسام سياسي وأيديولوجي في أميركا".. ما هي أسباب وتداعيات ومخاطر الشلل الحكومي داخليا وعالميا؟ (خاص)

  • ١٧٦

خاص إيست نيوز

مالك دغمان

"سأجعل أميركا عظيمة مجددًا" — هذا الشعار الذي رفعه الرئيس دونالد ترامب في حملاته الانتخابية، يصطدم اليوم بواقع سياسي مأزوم، بعدما دخلت الولايات المتحدة في حالة شلل حكومي رسمي نتيجة فشل الكونغرس في تمرير قانون تمويل الحكومة. النتيجة: تجميد مؤسسات فيدرالية وتعطّل خدمات حيوية، في مشهد يتكرر للمرة الثالثة في عهد ترامب، والأولى منذ عودته إلى البيت الأبيض هذا العام.

انقسام حاد حول أولويات الدولة

وراء الأزمة، يقف انقسام سياسي وأيديولوجي عميق. فبينما يطالب الجمهوريون، وخاصة الجناح اليميني المتشدد، بتخفيضات حادة في الإنفاق الحكومي وتقليص البرامج الاجتماعية، يصرّ الديمقراطيون على حماية برامج مثل الرعاية الصحية والتعليم والمساعدات الغذائية. هذا التباين يعكس صراعًا جوهريًا حول دور الدولة في حياة الأميركيين، بين من يرى وجوب تقليصها إلى الحد الأدنى، ومن يعتبرها ضامنًا للعدالة الاجتماعية.

خلفية الأزمة

بحسب النظام الأميركي، تبدأ السنة المالية في 1 أكتوبر، وعلى الكونغرس تمرير الميزانية قبل هذا الموعد لتفادي الإغلاق. لكن المفاوضات تعثّرت، ما أدى إلى توقف مئات الوكالات الفيدرالية، وتضرر ملايين الموظفين والمواطنين.

الخبير في الاقتصاد الدولي وشؤون الطاقة، الدكتور نهاد إسماعيل، أوضح في حديثه لموقع East News أن "الإغلاق رقم 15 منذ بداية الثمانينات سببه الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول تمديد برنامج العناية الصحية الذي يشمل 24 مليون أميركي، والذي انطلق خلال جائحة كوفيد-19 ومن المقرر أن ينتهي هذا العام".

وأشار إسماعيل إلى أن "الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ يرفضون التمديد، بينما يضغط الديمقراطيون باتجاه استمرار البرنامج. الفشل في الوصول إلى قانون مؤقت لسد الفجوة بين الطرفين أدى إلى الإغلاق".

أرقام تُجسّد الأزمة

● 800 ألف موظف فدرالي توقفوا عن العمل أو استمروا دون أجر

● 2 مليون موظف تأخرت رواتبهم، بينهم عناصر أمن ومراقبة جوية

● 400 موقع وطني وحديقة عامة أُغلقت

● 6 ملايين مستفيد مهددون بفقدان المساعدات الغذائية

● خسائر تقدر بـ 1.2 مليار دولار أسبوعيًا وفق مكتب الميزانية في الكونغرس

التأثير العالمي... ومخاوف من ارتدادات اقتصادية

ورغم أن التأثير على الأسواق العالمية سيكون محدودًا إذا انتهى الإغلاق خلال يوم أو يومين، إلا أن إسماعيل حذّر من "عواقب كبيرة في حال استمر الإغلاق لأسابيع كما حدث في 2018-2019، عندما استمر 35 يومًا، ما أدى إلى اهتزاز الأسواق وتأجيل قرارات الاستثمار".

وأضاف أن "البيانات الاقتصادية الأميركية التي تراقبها مؤسسات كبرى مثل أوبك والبنك الفيدرالي لن تصدر خلال الإغلاق، مما يعقّد عملية اتخاذ القرار في أسواق النفط وسوق العمل، ويرفع درجة الغموض والتذبذب الاقتصادي عالميًا".

أزمة ثقة لا أزمة تمويل

يتّفق محللون على أن ما يحدث يتجاوز الخلاف على الأرقام. إنها أزمة ثقة في النظام السياسي الأميركي، الذي بات عاجزًا عن التوافق حتى على أولويات أساسية. ومع ارتفاع الاستقطاب الحزبي، لا يبدو أن الحل قريب… بينما تواصل أميركا شلّ ذاتها، والعالم يتفرج على أزمة قد تؤثر في الاقتصاد العالمي بأكمله.

ليست الأزمة الأولى… ولكن الأخطر

الإغلاق الحكومي الحالي هو الـ15 منذ الثمانينات، لكنه يكتسب خطورته من تعمّق الانقسام السياسي والضغوط الاقتصادية.

ففي عهد رونالد ريغان وقعت عدة إغلاقات قصيرة، بينما شهد عهد بيل كلينتون إغلاقًا بارزًا استمر 21 يومًا عام 1995.

أما أطول إغلاق فكان في عهد دونالد ترامب عام 2018، واستمر 35 يومًا بسبب الخلاف على تمويل الجدار الحدودي.

كما شهدت ولاية باراك أوباما إغلاقًا عام 2013، وجو بايدن إغلاقًا قصيرًا عام 2023.

اليوم، ومع بلوغ الدين العام الأميركي أكثر من 37 تريليون دولار، واحتمال فقدان الناتج المحلي 1% خلال أسابيع، تبدو الأزمة الحالية أكثر من مجرد تعثّر في تمرير ميزانية... إنها أزمة نظام سياسي يُعيد إنتاج الشلل.


المنشورات ذات الصلة