عاجل:

بين حبل المشنقة وحقوق الإنسان.. الإعدام في لبنان: عدالة مؤجلة أم جريمة مقننة؟ (خاص)

  • ١٣٤

خاص - "إيست نيوز"

عقوبة الإعدام هي إحدى أكثر العقوبات القانونية جذرية، وتثير جدلاً واسعًا بين مؤيد ومعارض، بين البُعد القانوني، الإنساني، والأمني. في لبنان، هذه العقوبة قانونيًا واردة في النصوص، لكنها على أرض الواقع توقّفت عن التنفيذ منذ سنوات، وقد أصبحت في حالات معينة موضوع نقاش سياسي وقانوني متجدّد، ولا سيّما مع ارتفاع معدّل الجريمة ومطالب المجتمع بتحقيق الردع. هذا المقال يستعرض الواقع التاريخي، الإطاري، والتأثيرات المجتمعية، مع عرض لمواقف منظمات حقوقية مثل “عدل ورحمة”، والهيئة اللبنانية للحقوق المدنية” وغيرها، استناداً إلى تقارير موجودة.

التاريخ القانوني والتنفيذ الفعلي

لبنان ورث عقوبة الإعدام من العهد العثماني، بعد الاستقلال وضمن التشريعات المدنية والعسكرية تعرّف عدة نصوص بأنها تُعاقب بالإعدام للجرائم الخطيرة مثل القتل العمد مع سبق الإصرار، جرائم التخابر، الإرهاب، أو جرائم ترتبط بالأمن القومي.

1- التأسيس القانوني والتاريخي لعقوبة الإعدام في لبنان

• النظام التشريعي اللبناني، تحديدًا قانون العقوبات اللبناني وبعض المواد في قوانين المحاكم العسكرية، يمنح عقوبة الإعدام لجرائم مثل القتل مع سبق الإصرار، بعض جرائم الإرهاب، التخابر، والعمليات التي تُعتبر جرائم حرب أو جرائم أمنية كبرى.

• من الأمثلة التاريخية: تنفيذ إعدام علني في حزيران 1998 في طبرجا (قضاء كسروان) بحق وسام عيسى النبهان وحسين أبو جبل، لارتكابهما جريمة قتل وشروع بالسرقة.

• آخر إعدام تنفيذي معروف تم في 17 كانون الأول 2004 في سجن رومية بحق أحمد منصور، بديع حمادة، وريمي أنطوان زعتر.

2- التوقف عن تنفيذ الإعدام

• بعد تنفيذ إعدام 2004، دخل لبنان عمليًا في Moratorium أي إيقاف فعلي لتنفيذ أحكام الإعدام، رغم أن بعض الأحكام لا تزال تصدر بحقه.

• أسباب التوقف تعود إلى ضغوط حقوقية دولية، منظمات حقوق الإنسان، والالتزامات الدولية التي تبنّى لبنان بعضًا منها، والتي تشدّد على حق الحياة، والحد من العقوبات القاسية، لاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيرها.

• رغم التجميد، استمرت المحاكم في إصدار أحكام بالإعدام في بعض القوانين، لكن هذه الأحكام لم تُنفَّذ عملاً.

• كذلك، ضعف الرغبة السياسية، وأحيانًا مخاوف من ردود فعل شعبية، إضافة إلى أن تنفيذ الإعدام يتطلب مراسيم رسمية: توقيع من وزير العدل، رئيس الحكومة، ورئيس الجمهورية. إضافيًا يجب أن تكون الأحكام نهائية، وتنفيذها مرهون بهذه الإجراءات.

3- الجدل المعاصر وأمثلة المطالب بإعادة التطبيق

• تقوم الدعوات بإعادة تطبيق الإعدام من حين لحين، ولا سيّما بعد وقوع جرائم قتل مروّعة أو في مواجهة أقوال عن تزايد الجريمة، كما ورد في مقالات وتحليلات إعلامية حديثة.

• بعض القوانين المقترحة، كما في مشروع تعديل من عام 2008، كان الهدف منها إلغاء بعض المواد المتعلقة بعقوبة الإعدام أو تعديلها بشروط مشددة، مثل تحديد جرائم محددة للغاية، وجود أدلة قاطعة، وضمان حقوق المحكوم عليه وغيرها. لكن هذه المقترحات لم تُدرج رسميًا في جدول أعمال الحكومات.

4- النقاش القانوني والأخلاقي

• لماذا يعارض بعضهم عودة الإعدام؟ أبرز الأسباب: احتمالية الخطأ القضائي، توصيات حقوق الإنسان الدولية، تأثير سريع مؤلم على الضحية والأسرة، وعدم وجود دليل أنه رادع فعّال في كل المجتمعات.

• لماذا يدعم بعضهم عودة التنفيذ؟ لأجل الردع، الشعور بالعدالة لدى ذوي الضحايا، ومعالجة الشعور بانعدام هيبة الدولة، خصوصًا في حالات الجرائم الكبرى.

• آراء صحفيين ومحامين حول عقوبة الإعدام في لبنان: بين القانون وحقوق الإنسان

• في لبنان، تظل عقوبة الإعدام موضوعًا جدليًا يثير نقاشات قانونية وإنسانية متعددة. من خلال لقاءات وتحليل لمواقف عدد من المحامين والصحفيين، يتضح أن الموقف تجاه هذه العقوبة يتخطى الجانب القانوني ليصل إلى أبعاد أخلاقية واجتماعية وإنسانية.

• المحامية كارول بيري، المتخصصة في القانون العام الدولي، تُشير إلى أن عقوبة الإعدام في لبنان تحمل أعباء تاريخية وتعكس واقعًا قضائيًا متناقضًا. ففي تقرير مشترك أعدته مع الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، ركزت بيري على ضرورة مراجعة التشريعات المتعلقة بالإعدام، معتبرة أن استمرار هذه العقوبة يشكل خرقًا لحقوق الإنسان، ولا يتماشى مع الاتجاهات الدولية الرافضة لعقوبة الإعدام.

• في السياق نفسه، يرى الدكتور كريم المفتي، أخصائي العلوم السياسية وخبير القانون الدولي، أن لبنان بحاجة إلى حوار جدي حول إلغاء عقوبة الإعدام. وُضع في تقريره دراسة إحصائية تثبت أن تنفيذ هذه العقوبة لا يساهم بشكل فعّال في الحد من الجريمة، بل يفتح الباب أمام أخطاء قضائية لا يمكن التراجع عنها.

• من الجانب الإعلامي، يُعبر الصحافي أيمن شحادة عن موقفه الرافض لأن يُعامل الصحفيون وكأنهم مجرمون، ويُسلط الضوء على أهمية أن تُناقش قضايا العدالة والعقوبات من خلال محاكم متخصصة، بعيدًا عن المحاكم الاستثنائية التي قد تحكم بشكل ظالم، بما في ذلك في قضايا تتعلق بالإعدام.

• فيما تعرضت الصحافية حياة مرشاد للاستدعاء من قبل مكتب الجرائم المعلوماتية على خلفية آرائها في قضايا حقوقية، تؤكد مرشاد أن الحوار حول العدالة يجب أن يكون شفافًا ويشمل إلغاء العقوبات القاسية التي تتنافى مع حقوق الإنسان، كالقتل الرحيم والإعدام.

• ويُظهر الاستدعاء المتكرر للصحفيين مثل بشارة شربل إلى المباحث الجنائية مدى التوتر الحاصل في لبنان حول حرية التعبير وحقوق الإنسان، الأمر الذي ينعكس على كيفية تناول قضايا مثل عقوبة الإعدام، حيث يرى كثيرون أن هذه العقوبة تمثل شكلًا من أشكال القمع بدلاً من تحقيق العدالة.

• أوغاريت يونان، مؤسِسة “الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية” ومنسقة “الحملة الوطنية لإلغاء عقوبة الإعدام في لبنان: " منذ تأسيس الحملة عام 1997، نحن ماضون لإلغاء عقوبة الإعدام والاستمرار في العمل ضمن نشاطات تضمّ كل أفراد المجتمع من قضاة ومحامين وطلاب جامعات وحقوقيين وحتى نوّاب. ولو أُلغيَت العقوبة، لا ينتهي دورنا هنا. فما هي الضمانات ألا يُعاد تشريع الإعدام؟ لذلك من واجبنا العمل للحفاظ على هذا الوعي ونشره على نطاق واسع ولأجيال متعددة".

• في النهاية، تتلاقى وجهات النظر القانونية والإعلامية على ضرورة مراجعة العقوبة وإلغائها، إيمانًا بحق الحياة وكرامة الإنسان، وتوافقًا مع المبادئ الدولية التي تؤكد أن الإعدام عقوبة لا يمكن تبريرها في عصر يزداد فيه الوعي بحقوق الإنسان.

تقرير "أحياء، لكن بدون حياة – مهمّة تقصي الحقائق"(2021)

• هذا التقرير أُعدّ بالتعاون بين جمعية عدل ورحمة، الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية، معاً ضد عقوبة الإعدام، ومنظمات دولية أخرى.

• شمل عينة من 53 محكوماً بالإعدام (49 رجلاً، 4 نساء)، ودرس حالاتهم من حيث الفئة العمرية، الوضع الاجتماعي، التهم، مدة السجن، ظروف السجن، الصحة النفسية والجسدية، ظروف الاتصال بالعالم الخارجي وغيرها.

• أبرز ما جاء في هذا التقرير: أن هؤلاء المحكومين يعيشون في ظروف “قاسية جدًا”، مع نقص في الضمانات القانونية، ضعف التمثيل القانوني، تأخيرات في الإجراءات، ظلال من سوء المعاملة، مما يجعل الخارجين منهم “أحياء” بمعنى وجودهم الجسدي، لكنهم يعيشون بلا حياة بمعنى إنسانية مرتكزة على الحقوق الأساسية.

مناشدات "عدل ورحمة"

• في اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام (10 تشرين الأول)، أصدرت جمعية عدل ورحمة بيانًا تطالب فيه بإصدار قانون رسمي لإلغاء عقوبة الإعدام، سواء في النصوص التشريعية أو في التطبيق، مع الإشارة إلى أن لبنان قد صوت لصالح قرار أممي في الأمم المتحدة لوقف التنفيذ، وهو موقف يدعمه التقرير.

• رئيس الجمعية الأب نجيب بعقليني قال في هذا البيان إن العقوبة ليست رادعًا دائمًا، وأن هناك حالات تُستخدم فيها العقوبة كوسيلة شعبويّة لإرضاء رأي عام، لكنها لا تؤمّن الأمن الحقيقي.

تصريحات أخرى من منظمات حقوقية

• تقرير Human Rights Watch ينتقد محاكمات بعض المحكوم عليهم بالإعدام خاصّة في المحاكم العسكرية، من حيث معايير العدالة، وجود ادعاءات بالتعذيب خلال التحقيق، والافتقار إلى الشفافية.

• جمعية "عدل ورحمة" أيضًا شاركت في نشاطات توعوية مثل مسابقات رسم بين نزلاء سجن رومية للتعبير عن مطالبهم بإلغاء الإعدام، والتأكيد على العيش بكرامة حتى لو كانوا محكومين بالإعدام.

3. التأثير المجتمعي النفسي والقانوني

• المحكومون بالإعدام يعيشون ضغطًا نفسيًا شديدًا: العيش في انتظار تنفيذ عقوبة من الممكن أن تُنفَّذ أو لا تُنفَّذ، ما يخلق حالة من القلق، التوتر، والندم في بعض الحالات. التقرير "أحياء، لكن بدون حياة" يوثّق حالات ندم عميق.

• الأسر والعائلات تعاني من وصمة اجتماعية، من تأخيرات قانونية، ومن عدم وضوح مصير أبنائها أو أقاربها المحكومين بالإعدام.

• من الناحية القانونية، يوجد غياب خطير في حماية ضمانات المحاكمة العادلة، وتأخر في استكمال الإجراءات، ضعف في تقديم الدفاع، وأحيانًا ممارسات تُخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

• على الساحة التشريعية والمجتمعية، يوجد انقسام: بعض الناس يطالب بإلغاء الإعدام كليًا، وآخرون يعتبرونه وسيلة للردع، خاصّة في ظل الجريمة المتزايدة أو في الجرائم العنيفة، لكن ليس هناك إجماع بعد.

. مواقف منظمات المجتمع المدني والتقارير الحقوقية

جمعية Justice et Mercy (AJEM)

• تأسست عام 1996، تعمل بشكل أساسي على حقوق السجناء، مكافحة التعذيب، وإلغاء عقوبة الإعدام.

• من خلال مشروع “Project Abolition of Capital Punishment” تصرّ على أن الحكم بالإعدام “هو أشد أشكال التعذيب”، وتعمل على توعية الرأي العام، ومساءلة الدولة لتبديل التشريعات.

ECPM – “Alive, without being”

• تقرير مشترك مع AJEM وجمعية الحقوق المدنية اللبنانية (LACR)، نُشر في كانون الثاني/يناير 2021، بعنوان “Alive, Without Being”.

• استُجْمِعت فيه شهادات 53 محكومًا بالإعدام، بمن فيهم نساء، ودُرس فيه أثر التجميد، ظروف السجن، الأثر النفسي والاجتماعي لدى المحكومين وعائلاتهم.

• من الاقتباسات البارزة:

“لقد متّ مليون مرة.” — بلال، محكوم عليه بالإعدام عام 1997.

“لا نطبّق العقوبة، لكن لم نُلْغِها. هل سيُقال لنا يوماً إنها ستُنَفّذ؟ هذا هو الرعب الحقيقي.” — عامل نفسي في السجن.

 مواقف رسمية وتشريعات

• لبنان صوّت لأول مرة عام 2020 لصالح قرار أممي يدعو إلى Moratorium عالمي على عقوبة الإعدام

• المنظمات الحقوقية مثل Human Rights Watch حذرت من إعادة تنفيذ الإعدام، مشيرة إلى أنه سيسبب تراجعًا في سجل حقوق الإنسان اللبناني ويفتقر للدليل أن تنفيذها يُقلّل الجريمة حقًا.

4. التأثير المجتمعي والنفسي

• الجو النفسي للمحكوم عليهم بالإعدام هو من أشدّ الحُالات قسوة: القلق من مصير غير محدّد، الترقب، شعور بالظلم وتوتر دائم. تقرير “Alive, Without Being” يوثّق حالات مثل بلال الذي يعيش حالة من العذاب النفسي لسنوات.

• عائلات المحكوم عليهم تتعرض أيضًا لأذى اجتماعي ونفسي كبير، من وصم اجتماعي إلى معاناة الامتثال لأحكام قضائية قد لا تُنفّذ.

• من الناحية القانونية، هناك مشاكل مثل تأخيرات في المحاكمات، ضعف التمثيل القانوني، عدم وضوح في الشروط لتنفيذ العقوبة أو رفض التنفيذ الفعلي حتى بعد صدور الأحكام.

• المنظمات الحقوقية ترى أن التجميد وحده لا يكفي؛ ما يُطلب إلغاء عقوبة الإعدام قانونياً، مع ضمانات العدالة والمساواة، احترام حقوق الإنسان، شفافية، ومحاكمة عادلة.

التحديات والمعايير الدولية

• القانون اللبناني لا يزال يُتيح الحكم بالإعدام، مما يتعارض مع التوصيات الدولية التي تُشدد على حق الحياة، وتقييد العقوبات القصوى لأشد الجرائم، وضمان المحاكمة العادلة.

• اعتبارًا من بيانات ECPM وAJEM: إشكال في الشفافية، اكتفاء الحكومة بـ“التجميد” دون إلغاء واضح، وعدم التزام كامل بتوصيات المواثيق الدولية.

• كذلك، التأثير على الحقوق النفسية للمتهمين المحكوم عليهم، وقد يؤدي التنفيذ في أي وقت إلى مخاطر أخطاء قضائية.

أمثلة حديثة

• في قضية محكمة عسكرية لبنانية مؤخرًا، صدر حُكْم بالإعدام in absentia في جريمة قتل عنصر من قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ما يوضح أن الحكم ما زال يُصدر رغم التجميد.

• تعديل قانوني في البرلمان لزيادة العقوبات على إطلاق النار الاحتفالي، يرصد نفحة من التشديد التشريعي بالرغم من أن العقوبة ليست من جرائم الإعدام، لكن تُظهر أن هناك اتجاهًا عامًا نحو مزيد من التشدد القضائي في بعض الجرائم.

الخاتمة

عقوبة الإعدام في لبنان حالة معقّدة: القانون يتيحها، لكنها متوقّفة عمليًا منذ سنوات، مع جدل أخلاقي، قانوني، ومجتمعي كبير. وإن كانت هناك نوايا لإعادتها، فمن المهم أن تتمّ ضمن إطار دستوري وقانوني واضح، بشفافية، وضمانات كاملة للعدالة، بما في ذلك دور القضاء، المحاكمات العادلة، والحد من الخطأ القضائي.

المنشورات ذات الصلة