آراء حرة – "إيست نيوز"
ميساء عبد الخالق
على وقع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، وبعد أن باتت إسرائيل «قاب قوسين أو أدنى» من زعمها إقامة «إسرائيل الكبرى» بدعم أميركي سياسي وعسكري وبكل أنواع الأسلحة المتطورة مستفيدة من التقدّم التكنولوجي، وتزامناً مع تصريحات المبعوث الأميركي توم برّاك في مقابلة مع «سكاي نيوز عربية» حيث قال صراحة: «لا نريد تسليح الجيش اللبناني ليقاتل إسرائيل، نُسَلّحهم ليقاتلوا شعبهم، حزب الله»، والتي سبقتها أيضًا انتقادات لفشل الحكومة في نزع سلاح الحزب، إذ اعتبر أن ما يفعله لبنان هو كلام فقط ولم يفعل شيئًا، ودعا الحكومة اللبنانية إلى «تحمّل مسؤولياتها» والإعلان صراحةً أنها ستنزع سلاح حزب الله الذي «يعيد بناء قوته».
وتزامن ذلك مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العام العبري الجديد قد يشهد «القضاء على محور إيران» في إشارة واضحة إلى نوايا أمنية وسياسية تجاه طهران وحلفائها الإقليميين، ومن بينهم حزب الله. وسط كل هذه المعطيات الخطرة تفجّرت أزمة صخرة الروشة، وجاهر بعدها حزب الله بما وصفه «انتصاراً» عبر خرق القرار الحكومي بإضاءة الصخرة بصور الأمينين العامين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.
وفي هذا السياق، توعّد رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام بمحاسبة الفاعلين انفاذاً للقوانين المرعية الاجراء وبهدف بناء دولة القانون والمؤسسات متوعدا بتوقيف الفاعلين جراء مخالفة صريحة لمضمون الموافقة المعطاة من قبل محافظ مدينة بيروت لمنظّمي التحرك الذي على اساسه صدر الإذن بالتجمع والذي نصّ بوضوح على "عدم انارة صخرة الروشة مطلقا لا من البر ولا من البحر او من الجو وعدم بث اي صور ضوئية عليها".
أمام هذا المشهد المخزٍي والعالم يتفرّج على جراحنا، وبعد أيام قليلة من مقتل ثلاثة أطفال ووالدهم أمام أعين الأم الثكلى، يبقى السؤال: من هو المنتصر في هذه المعركة الكونفوشيوسية والعبثية؟ الخاسر الوحيد واضح: الوطن النازف المهدّد بعدوان إسرائيلي جديد، وغياب القدرة الحكومية على إنفاذ قرارها وحصر السلاح بيد الدولة، رغم الخطة الصعبة التي تكفّل بها الجيش لتنفيذ هذه المهمة.
نعم، إنها معركة عبثية، صراع طواحين الهواء. الأفضل إعطاء الأولوية لإيجاد صيغة للحوار والتلاقي على نقاط تجمع ولا تفرّق، وفي مقدمتها استراتيجية أمن وطني قادرة على تعزيز السلطة الوطنية في السلم والحرب لتأمين الأهداف الوطنية، وخصوصًا مواجهة المخاطر الداخلية الناتجة عن السلاح غير الشرعي والتهديدات الإسرائيلية المحدقة. ثمة نقاط توافق بين الحزب والحكومة، وتتلخّص في وقف الاعتداءات، انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة جنوب لبنان، تحرير الأسرى، وإعادة الإعمار.
أما معارك «الانتصار» أو «الخسارة» على صخرةٍ شامخة على شاطئ بيروت — شاهدة على أفراح لبنان وازدهاره كما على جراحه وانكساراته، صامدة كمرآة لصلابة هذا الوطن — فهي لا تفيد سوى في كسر هيبة لبنان أمام المجتمع الدولي وجرّه إلى الفتنة وتهديد السلم الأهلي. نحن أمام مخاطر حقيقية: تهديد للسلم الأهلي واحتمال عدوان إسرائيلي يضع لبنان خاسراً، بينما الرابح المحتمل هو إسرائيل وهو ما أشار اليه رئيس محلس النواب نبيه بري في كلمة له بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله حيث قال "معنا ستبقون حتى آخر النهايات من أجل حفظ لبنان ودرء الفتن عنه وصون كرامة الإنسان فيه وحماية السلم الأهلي هو أفضل وجوه الحرب مع الشر المطلق إسرائيل».
الأكيد أن السيادة الوطنية لا تتحقق من خلال إنارة صخرة الروشة؛ والسيادة الوطنية وبناء دولة القانون والمؤسسات لا يتحققان بمجرد إنفاذ حكم منع إنارة الصخرة. الدولة اللبنانية مطالبة باستمرار المساعي الدبلوماسية التي فشلت حتى الآن في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 27 نوفمبر الماضي وتطبيق القرار الدولي ١٧٠١ بكافة مندرجاته، والعمل الجاد لحصر السلاح بيد الدولة، لأن سلاح حزب الله لم ينجح في حماية لبنان من التهديدات الإسرائيلية رغم إعلان أمينه العام نُعيم قاسم الرفض القاطع لنزعه ووصف قرار الحكومة بـ«الخطيئة»، مطالبًا بوضع «بند السيادة الوطنية» على رأس جدول الأعمال.
في المحصلة، لا سيادة وطنية ولا قيام لدولة القانون والمؤسسات مع هذا التخبط. المطلوب حوار وطني جاد للتوصل إلى نقاط التقاء من أجل لبنان: وطن نهائي لجميع أبنائه. وإلّا، فعلى لبنان وعليْنا السلام، وسط خرائط جديدة تُرسَم بالدم والنار في هذا العالم المضطرب على وقع أزمات وحروب.