عاجل:

"سوريا الجديدة" في مخاضها الصعب: بين "مخاطر التفكك" والدعوة إلى "توزيع عادل للسلطة"!؟(خاص)

  • ١٠٧

خاص – "إيست نيوز"

تتزايد في سوريا الدعوات إلى تبني نظام لا مركزي كسبيل لإعادة بناء الدولة وتحقيق العدالة بين مكوناتها، بعد عقود من الحكم المركزي الصارم الذي عمّق الأزمات وأضعف مؤسسات الدولة. وبينما يُطرح هذا الخيار كحل واقعي لتعزيز الاستقرار وتوزيع السلطة والموارد، يثير في المقابل مخاوف من تحوله إلى مدخل لتفكيك البلاد أو إنشاء كيانات مستقلة بحكم الأمر الواقع، ما يسلط الضوء على الحاجة إلى توافق وطني شامل يضمن وحدة الدولة ضمن إطار دستوري واضح وشامل.

" اللامركزية كضرورة وطنية لا تهديد للوحدة"

وقال مدير المركز الكردي للدراسات، نواف خليل، في تصريح لـ "إيست نيوز" إن لا أحد يمتلك حلولًا جاهزة ومثالية لأي دولة، مؤكداً أن "الحالة السورية" الناتجة عن حكم شديد المركزية رافض للتعدد وطارِد لغير القومية العربية، أفرزت دعوات متصاعدة للمطالبة باللامركزية.

وأوضح خليل أن اللامركزية لا تعني إضعاف المركز، بل تخفيف الضغط عنه واسترداد القرار في المناطق، سواء في المناطق العربية التي لا تعاني من مشكلات قومية، أو في المناطق الكردية التي تعاني من تهميش تاريخي. وأشار إلى أن هناك "إجماعاً كردياً شبه مطلق" تجلى خلال المؤتمر الذي عُقد تحت عنوان "وحدة الموقف الكردي" بتاريخ 26 نيسان 2025، قائلاً إن الأحزاب الكردية لم تجتمع بهذا الشكل منذ تأسيس أول حزب كردي في حزيران 1957.

وأكد أن هذا الإجماع لا يطالب بالانفصال، بل باللامركزية وفق التجربة السورية وواقعها، وأن هذا التوجه ليس حكرًا على الكرد أوحدهم إنما هناك خصوصية كردية فيما يتعلق باللامركزية. الآن هناك أطراف عديدة تطالب باللامركزية، التي هي مطلب واقعي ووطني لتقوية وحدة البلاد وليس لتفكيكها.

وأضاف خليل أن "ليس هناك لا حزب كردي، ولا عربي، ولا سرياني، ولا أرمني، ولا تركماني، ولا سني، ولا شيعي، ولا جهة عالمية تطالب بتفكيك سوريا"، مشددًا على أن **سلوك السلطة هو وحده ما يدفع باتجاه هذا الخيار**.

وتحدث عن استمرار السلطة السورية في اعتماد العنف بمواجهة المطالب، مشيرًا إلى أنها لم تنهِ المجازر في الساحل حتى انتقلت إلى الطلبة الدروز، ثم إلى أحياء في دمشق مثل أشرفية وصحنايا، وبعدها إلى السويداء التي لا تزال محاصرة.

وأشار إلى اشتباكات شبه يومية تجري بين قوات سوريا الديموقراطية ومجموعات تابعة لما يُعرف بـ"الجيش الوطني السوري"، رغم إعلان هذه الفصائل حل نفسها. ولفت إلى أن السلطة لا تزال تتبناهم وتستخدمهم في استهداف مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية"، بل وتحمّل الأخيرة مسؤولية الهجمات، رغم أن ذلك "يخالف الواقع والمنطق"، حسب تعبيره.

واتهم خليل السلطة بمحاولة تشتيت انتباه الشارع عن قضايا حساسة، مثل "الاتفاق الأمني المزمع مع إسرائيل"، من خلال التصعيد ضد "قسد" وفتح ملف الانفصال إعلاميًا. وشدد على أن "لا أحد يطالب بالانفصال ، لكن سلوك السلطة هو ما يدفع بعض السوريين نحو المطالبة بالاستقلال كما ظهر مؤخرا وللمرة الأولى في تاريخ سوريا في السويداء .

ورأى أن الضمانة الأكبر لوحدة سوريا هي "الجلوس إلى طاولة الحوار والتفاوض"، وصياغة عقد اجتماعي جديد يكفل الحقوق والواجبات المتساوية لكل السوريين، من حوران إلى الساحل، ومن حمص إلى دير الزور، مؤكدًا أن الأكراد، بخلاف المناطق العربية، يعانون من تمييز قومي طويل منذ تأسيس الدولة السورية.

وأضاف أن حكومة "ناظم القدسي " جرّدت 180 ألف كردي من الجنسية، فيما استكمل حزب البعث تلك السياسات من خلال "الحزام العربي" ومشاريع أخرى لم تُلغَ حتى الآن من قبل السلطة المؤقتة في دمشق. وقال: "عندما يتم الاعتراف بهذه الحقوق، سيعتبر الجميع أن هذا البلد هو بلدهم النهائي".

وأكد خليل أن "منذ تأسيس أول حزب كردي عام 1957 وحتى اليوم، لم يطالب أي حزب بالانفصال أو الاستقلال"، مضيفاً أن هناك أطرافًا سورية أخرى ربما تسعى للاستقلال، لكن "السلطة المركزية المتشددة هي من تدفع بهذا الاتجاه".

قانون الإدارة المحلية رقم 107

واتهم السلطة بتوظيف "تهمة الانفصال" لقمع المعارضين، مذكّراً بأن المحاكم السورية كانت تصدر أحكامًا بحق الكرد بتهم "وهن نفسية الأمة" و"محاولة اقتطاع أراضٍ من سوريا لصالح دولة أخرى"، رغم أن هذه الدولة لم تكن موجودة أساساً.

واعتبر خليل أن الترويج لقانون الإدارة المحلية رقم 107، بوصفه حلاً، "يُعبّر عن عجز السلطة"، لأنه قانون كان موجودًا في عهد النظام السابق، وتساءل: "هل يُعقل بعد أكثر من 60 سنة من حكم البعث، و14 سنة من الحرب، أن يكون الحل هو فقط تعديل الصلاحيات؟".

وختم بالقول إن سوريا الجديدة يجب أن تكون "دولة ديمقراطية لا مركزية" ينتمي إليها الجميع دون إقصاء قومي أو ديني أو مناطقي، مضيفًا: "هذا هو الطريق الوحيد لوحدة البلاد واستقرارها".

الحذر من التحولات إلى كيانات مستقلة

ومن جهته، اعتبر الكاتب والصحفي الدكتور أحمد الكناني، في تصريح لـ "إيست نيوز"، أن البلاد تمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب معالجة جذرية لأزمة شكل الحكم، محذراً في الوقت نفسه من الانزلاق نحو مشاريع انفصالية تحت عناوين مثل "اللامركزية" و"الحماية الدولية".

وفي تعليقه على سؤال حول واقعية طرح الحكم الذاتي، أوضح الكناني أن الحديث لا يمكن اختزاله ببعد إداري فقط، مؤكداً أن ما يجري في شمال شرق الفرات يتجاوز ذلك، حيث أشار إلى أن النموذج هناك يتخذ طابعاً سياسياً يتجاوز الصلاحيات المحلية المعتادة، ويدخل في إطار كيانات شبه مستقلة تقوم بعقد صفقات سياسية وتتمتع بتمثيل خارجي ودعم مباشر من دول التحالف، خصوصاً فرنسا.

الكناني لفت إلى أن ما يجري في تلك المنطقة يعكس حالة لا مركزية سياسية لا تتوافق مع مفهوم الدولة الموحدة، قائلاً إن الوضع لا يتصل فقط بالجيش والموارد الاقتصادية، بل يتعداه إلى شبكة علاقات سياسية خارجية تؤسس لواقع يصعب التراجع عنه مستقبلاً.

أما في ما يتعلق بالسويداء، فأكد أن المطالب التي طُرحت هناك تحت عنوان "الحماية الدولية" لم تكن فقط لأسباب أمنية، بل حملت بعداً انفصالياً واضحاً، خصوصاً في ظل بروز المجلس العسكري التابع للشيخ حكمت الهجري كقوة أمر واقع. وشدد الكناني على أن وجود طرف دولي مثل إسرائيل في هذا الملف يضاعف من تعقيد المشهد، ما يستدعي معالجة متأنية وحذرة.

الحاجة إلى حل وطني شامل

وقال الكناني إن هذه الحالات، سواء في شمال شرق سوريا أو في السويداء، لا يمكن التعامل معها كملفات محلية أو معزولة، بل كجزء من سياق وطني شامل يتطلب توافقاً سياسياً عاماً ومشاركة كافة المكونات السورية، مشيراً إلى ضرورة عقد مؤتمر وطني شامل يعقبه إقرار ورقة دولية تحظى بدعم خارجي يضمن عدم استغلال الأوضاع الداخلية من قبل أطراف إقليمية أو دولية.

وأكد الكناني أن الحفاظ على وحدة سوريا ممكن فقط من خلال تبنّي مشروع اللامركزية الإدارية ضمن إطار دستوري واضح، معتبراً أن هذا النموذج قد يكون الأنسب للواقع السياسي السوري الحالي، لكنه يتطلب توافقاً سياسياً داخلياً وجهداً دولياً لتثبيته ومنع انزلاقه إلى تقسيم فعلي.

ولفت إن الخطر الحقيقي لا يكمن في طبيعة المطالب اللامركزية بحد ذاتها، بل في غياب المرجعية الدستورية الجامعة التي تُقرها كل الأطراف السورية، ما يجعل أي صيغة خارجة عن الإجماع، مقدّمة لحالة تفكك قد يصعب تجاوزها.


المنشورات ذات الصلة