عاجل:

تحالفات بلا بوصلة في انتخابات 2026... والمغتربون في قلب الاشتباك (خاص)

  • ٥٠

خاصّ- إيست نيوز

تسير البلاد نحو استحقاق أيار 2026 وسط ضبابية كثيفة تحيط بخريطة التحالفات الحزبية والسياسية.

وبينما يؤكّد وزير الداخلية والبلديات أحمد الحجّار أنّ الانتخابات ستجري في موعدها، تبدو المفاوضات بين الكتل وكأنّها في حلقة مُفرغة، حيث “ضايعة الطاسة” هي العبارة الأصدق لوصف المشهد.

موعد محسوم رغم الشكوك

أعلن الوزير الحجار بشكل قاطع أنّ لا مجال لتأجيل الإنتخابات النيابية المُقبلة، مطمئناً الداخل والخارج بأن صناديق الاقتراع ستُفتح في أيار 2026. لكن هذا الإعلان لم ينجح في تبديد القلق الشعبي والسياسي من إمكان بروز مُفاجآت قد تطيح بالاستحقاق، خصوصاً أنّ البلاد تعيش على وقع أزمات مُتراكمة ومفتوحة على احتمالات غير محسوبة.

تحالفات بلا بوصلة واضحة

رغم انطلاق المُشاورات بين الأحزاب والتيارات، فإنّ أي ملامح جدية لتحالفات متينة لم تتبلور بعد. فكل كتلة تخوض مفاوضاتها بحذر شديد، مُدركة أنّ الخريطة النيابية المُقبلة قد تعيد خلط الأوراق بشكل غير متوقّع. الإنقسام التقليدي بين قوى الموالاة والمُعارضة لم يعد كافياً لتفسير التموضعات الجديدة، فيما الحسابات الشخصية والمناطقية تطغى على أي رؤية وطنية جامعة.

المغتربون في قلب الاشتباك

إلى جانب غياب التحالفات الواضحة، برزت في الأسابيع الأخيرة معركة موازية داخل أروقة المجلس النيابي، عنوانها تعديل قانون الإنتخاب. فاجتماعات اللجان النيابية تحوّلت إلى ما يشبه "سوق عكاظ"، حيث تمسّك كل فريق بموقفه حيال مسألة اقتراع المُغتربين. الضغط الدولي والرئاسي يسعى لتمكين اللبنانيين في الخارج من الاقتراع للـ 128 نائباً، بينما عبّر "الثنائي الشيعي" عن رفض قاطع لهذه الصيغة، ما يوحي بصعوبة إدخال أي تعديل جوهري على القانون الحالي، ولا سيّما المادّة 112. هذا الإشتباك يعكس أنّ الطريق نحو أيار 2026 ليس مفروشاً فقط بتعقيدات التحالفات، بل أيضاً بعراقيل قانونية قد تنفجر في أي لحظة.

رسائل مُتبادلة ومناورات مُبكرة

المُراقبون يلحظون أنّ الكتل السياسية تبعث رسائل مُشفّرة في كل اتجاه، تارة عبر تصريحات إعلامية، وتارة أخرى عبر تسريبات مدروسة. الهدف منها جسّ نبض الخصوم والحلفاء على حد سواء. لكن حتى الآن، لا يُمكن القول إنّ هناك “كتلة صلبة” تحسم خياراتها، بل إنّ الجميع يتريّث بانتظار بروز مؤشّرات إقليمية ودولية قد تؤثر مباشرة في شكل الإصطفافات المُقبلة.

المواطن: بين فقدان الثقة وانتظار البدائل

في المُقابل، يعيش المواطن اللبناني حالة من الإحباط العميق. فغياب البرامج الواضحة، وتكرار الوعود الانتخابية غير المنفذة، يضعفان منسوب الثقة الشعبية بالطبقة السياسية. ومع أنّ موعد الإنتخابات قد يكون فرصة لتجديد الحياة الديمقراطية، إلا أنّ السؤال يبقى: هل ستُترجم هذه الفرصة بوجوه جديدة ورؤى مُختلفة، أم أنّ المشهد لن يكون سوى إعادة إنتاج لما هو قائم؟

الشارع مُنقسم بين التأجيل والاستحقاق

وعند النزول إلى الشارع وسماع أصوات الناخبين، يتضح حجم الانقسام في النظرة إلى الانتخابات المقبلة.

فالبعض يرى أنّ الظروف السياسية والإقتصادية والأمنية لا تسمح بإجراء الإنتخابات في موعدها، معتبرين أنّ تأجيلها قد يكون أهون الشرور ريثما تتضح صورة المرحلة المقبلة ويُعاد ترميم مؤسسات الدولة. بالنسبة لهؤلاء، الأولوية هي تجنّب الفوضى وعدم إدخال البلاد في مغامرة انتخابية مجهولة النتائج.

في المُقابل، هناك شريحة واسعة من اللبنانيين تُصرّ على ضرورة الالتزام بالموعد الدستوري، معتبرة أنّ أي تأجيل سيكون طعنة جديدة للديمقراطية، وأنّ الشعب بحاجة إلى هذه الانتخابات كمنفذ وحيد للتعبير عن غضبه ومُعاقبة الطبقة السياسية التي أوصلت البلاد إلى الانهيار. بالنسبة لهم، أي تأجيل هو بمثابة حماية إضافية للفاسدين وتمديد مجاني لعمر المنظومة.

إلى جانب هذين الموقفين، يبرز رأي ثالث لا يقلّ خطورة: شريحة من المواطنين باتت تعتبر أنّ الانتخابات لا تعنيها، لأنّها مقتنعة بأنّ النتيجة ستكون إعادة إنتاج للنهج ذاته ولو بوجوه وأسماء مُختلفة. هؤلاء فقدوا الأمل بقدرة أي تغيير انتخابي على انتشال البلد من أزماته، ويرون أنّ لعبة السلطة محصورة بين نفس القوى، حتى وإن تبدّلت بعض الشعارات أو التحالفات.

هذا التنوّع في المواقف يعكس بوضوح حالة الإرباك الشعبي، ويكشف أن الانتخابات المقبلة ليست فقط استحقاقاً سياسياً، بل أيضاً اختباراً حقيقياً لمدى تمسّك اللبنانيين بفكرة التغيير عبر صناديق الإقتراع.

استحقاق على فوّهة المجهول

الإنتخابات النيابية المُقبلة محجوزة على الأجندة في أيار 2026، لكن ما ليس محسوماً هو شكل التحالفات، طبيعة المعارك الإنتخابية، وحدود التغيير الممكن. حتّى الساعة، الصورة أشبه بلوحة غير مُكتملة الألوان، ما يفتح الباب أمام أسابيع طويلة من المُساومات والمُفاجآت.

لكن يبقى السؤال: هل ستنجح هذه الإنتخابات في فتح باب التغيير الحقيقي، أم ستُعيد إنتاج منظومة مأزومة تدور في الحلقة ذاتها منذ عقود؟

المنشورات ذات الصلة