كتب :" جورج شاهين"
تعود الموفدة الرئاسية الاميركية مورغان اورتاغوس إلى لبنان، وهدفها المشاركة في اجتماع الخماسية العسكرية في الناقورة، للمرّة الثانية في خلال أسبوعين، إلى جانب رئيسها الجديد الذي يتسلّم مهمّاته الجديدة غداً. وكل ذلك يجري من دون أن تلتقي بأي من المسؤولين اللبنانيين، كما فعلت في زيارتها الأخيرة برفقة قائد المنطقة الوسطى الأميركية الادميرال براد كوبر. وهو ما أوحى باحتمال أن نرى اورتاغوس غداً باللباس العسكري. فهل تفعلها؟
تجاوز الوسط السياسي ما أوحت به الزيارة الاخيرة لاورتاغوس ومعها الادميرال كوبر، مكتفية باللقاء الذي جمعها بأعضاء الخماسية العسكرية في الناقورة، والجولة التي قامت بها مع الضباط الدوليين والجيش اللبناني فوق منطقة جنوب الليطاني، من دون اللقاء بأي من المسؤولين المدنيين. وكل ذلك كان من أجل الإطلاع على ما أنجزه الجيش اللبناني ومعه قوات «اليونيفيل»، وما يحتاجه للمهمّات الإضافية المطلوبة منه، منذ أن بدأت عملية تفكيك مراكز «حزب الله» وتفريغها وتدميرها في المنطقة، وجمع الأسلحة الموجودة فيها عملاً بما قال به تفاهم 27 تشرين الثاني 2024.
وفي الوقت الذي جاءت الزيارة الأولى بعد يومين على تقديم خطة الجيش اللبناني لمجلس الوزراء وتكليفه «حصر السلاح» غير الشرعي في لبنان على مراحل تبدأ من جنوب الليطاني، قبل الانتقال إلى المرحلة العملية الأولى منها. فالزيارة الجديدة ربما هي لمواكبة أولى التقارير الشهرية المطلوبة حول ما يمكن أن ينجزه الجيش من الخطة التي بقيت متلازمة مع برنامج متحرك، ارتبطت مراحله بما يمكن أن يأتي به الوسيط والراعي الأميركي ومعه شريكه الفرنسي، من خطوات إسرائيلية مقابلة يمكن أن تلاقي كل مرحلة من مراحل حصر السلاح، بطريقة تحيي المشروع السابق الذي بُني على مبدأ الخطوة مقابل خطوة بقدر المستطاع.
وعليه، بقيت التحضيرات الجارية لزيارة اورتاغوس الجديدة، إن تمّت في موعدها المتوقع غداً، محصورة باللجنة العسكرية الخماسية وما يمكن أن ينتج منها من خطوات يُقدّر أنّها تشكّل نقلة نوعية في مهمّتها التي ما زالت جوانب منها بعيدة من الإعلام. فكل الاستعدادات والخطط الموضوعة تتحدث عن آلية جديدة تعتمدها، ويمكن ان تكون اكثر تشدّداً وصرامة لديها، ليس بالنسبة إلى الجانب اللبناني بمقدار ما تكون مرهونة بالإجراءات التي ستتخذها «اليونيفيل» في فترة التمديد الأخيرة لولايتها، وما ستكون عليه ردّة فعل الإسرائيليين. فالظروف تغيّرت ومعها كل المعطيات، عندما جاء التمديد الأخير لها رهن موعد البدء بتقليص قواتها بطريقة لم تعد قابلة للنقاش، كما أوحت به الحملة الديبلوماسية التي غيّرت من وجهة هذه القوات ودورها وجعلتها في مراحلها الأخيرة.
وإلى هذه المعطيات المتعددة الوجوه، والتي ما زال بعضها غامضاً، ينتظر أن تتغيّر الامور مع تسلم القائد الجديد للجنة الخماسية، والذي لم تشر المعلومات لدى الجانب اللبناني بعد إلى هويته الشخصية، وإن كان سيرافق اورتاغوس غداً أم لا. فكل ما هو معلوم انّه ضابط كبير تابع للمنطقة الأميركية الوسطى، وستكون له مهمّة تتجاوز ولاية «اليونيفيل» بالتأكيد. وستتعداها إلى شكل ومضمون القوة البديلة التي قد تكون على شكل فريق من المراقبين الذين سيتولون مهمّتها في مراقبة الحدود الجنوبية مع إسرائيل، بطريقة تضمن تنفيذ أي اتفاق جديد يمكن التوصل اليه بعد الانتهاء من مرحلة «وقف العمليات العدائية». وهي مرحلة غامضة ولم تتوافر بعد المعطيات التي ستتحكّم بها وما ستكون عليه التركيبة الجديدة للجنة العسكرية، التي إن صحّت المعلومات المتداولة، فإنّ أولى بوادرها ستظهر مع توسعة فريق رئيس اللجنة الأميركي. وهو سيكون اكبر مما هو عليه اليوم، وقد ينضمّ اليه ضباط فرنسيون آخرون وربما من جنسيات مختلفة، لتشكّل الهيئة الدولية الجديدة التي ستشرف على الوضع بعد انتهاء مهمة «اليونيفيل» نهاية 2026، وسيواكبون مرحلة تفكيكها عام 2027، وخصوصاً أنّ المهمّة الكبرى ستكون على عاتق الجيش اللبناني والقوى العسكرية والأمنية اللبنانية الأخرى دون سواها.
عند هذه العناوين الرئيسة، تتداول الاوساط العسكرية والأمنية معلومات جديدة مرتبطة بأولويات جمع الأسلحة بعد الانتهاء من منطقة جنوب الليطاني. فالجانب الإسرائيلي أظهر في الاجتماع الأخير للجنة العسكرية قبل اسبوعين، انّه يفضّل أن تنتقل مهمّة الجيش بعد جنوب الليطاني إلى البقاع بدلاً من منطقة ما بين مجراه ونهر الأولي، حيث تنتشر قواعد إطلاق الصواريخ البعيدة المدى ومصانع تجميعها ومعها الطائرات المسيّرة. وهي معلومة أكّدها الجانب الإيراني بحسب الطرح الإسرائيلي والأميركي، الذي أجمع على القول إنّ إيران ساعدت أذرعها في المنطقة منذ فترة طويلة على عملية التجميع والتصنيع، ولم تعد ملزمة بتوفيرها كما كانت من قبل، وهو أمر قد يغيّر من أولويات خطة الجيش.
وعليه، تعترف اوساط سياسية لبنانية، انّ مثل هذا التوجّه قد يغيّر في برنامج قيادة الجيش، وربما كانت هذه القيادة على علم بهذه المتغيّرات، فلم تبلغ مجلس الوزراء بمهل محدّدة ولا بخطط مبرمجة بالصيغة التي كانت مطروحة من قبل. وهو ما سيحاول لبنان الرسمي استثماره مع الجانب الأميركي بطريقة إيجابية، تلزم واشنطن بممارسة مزيد من الضغوط على إسرائيل للتفكير بخطوة مماثلة، ليس أقلها إخلاء مركزين او ثلاثة من المراكز التي احتفظت بها على الأراضي اللبنانية منذ 18 شباط الماضي الموعد الأخير الذي كان محدداً لإنهاء الاحتلال لآخر شبر من هذه الأراضي. ذلك انّ مثل هذه الخطوة قد تعطي دفعاً للتخفيف من شروط «حزب الله»، وربما أدّت إلى حشره للقبول باستكمال الخطة الحكومية الموضوعة لحصر السلاح.
وإلى هذه الملاحظات الدقيقة، تضيف المراجع عينها، انّ الجانب الدولي، والأميركي خصوصاً، بات على اقتناع تام بعدم قدرة «حزب الله» على المواجهة مع إسرائيل من أي طريق يمكن أن يختارها. فالردّ على الاعتداءات الإسرائيلية بات مهمّة صعبة جداً، ولن تستطيع المقاومة استخدام اي من الأسلحة المتبقية لديها في اي ردّ، وهو ما ضمنه المسؤولون اللبنانيون للحصول على مزيد من الثقة الأميركية والدولية بخطة الجيش وقدرته على الإمساك بالأمن في الجنوب ولبنان، متى انتهى الاحتلال وأُفرج عن جميع الاسرى، وأنّه من الأولى بالجانب الضامن للتفاهمات الأخيرة أن يوقف على الاقل الاعتداءات التي تقوم بها إسرائيل ولجم الغارات المكثفة التي لن يكون لها أي ردّ فعل من جانب الحزب سوى التمسك بالسلاح، مع علمه المسبق بعدم القدرة على استخدامه.
وما يزيد من هذا الاقتناع يجري تفسيره في الكلام الذي تردّد أخيراً، بوضع الأراضي اللبنانية بكاملها في دائرة الرصد والمراقبة الجوية، ليس بواسطة الطيران الإسرائيلي فحسب، فربما هناك اجهزة رصد اخرى باتت في أجواء لبنان، بعدما تردّد أخيراً عن تحليق طائرات أميركية للتجسس، ومعها من وقت لآخر أخرى بريطانية تابعة لقاعدتها في قبرص، حيث تجري مسحاً جوياً ليس للأجواء اللبنانية فحسب وإنما تشمل الأراضي الفلسطينية والسورية حتى الحدود العراقية، وهي باتت وحدة موحّدة بالمنطق العسكري الذي فرض عمليات الرصد والمراقبة الواسعة لمنطقة شرق المتوسط.