للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، يغادر مؤسس شركة "مايكروسوفت" بيل غيتس قائمة أغنى 10 أشخاص في العالم، بحسب تصنيف مجلة CEOWORLD لعام 2025، متراجعًا إلى المرتبة الـ15 بثروة تبلغ نحو 120 مليار دولار.
هذا التراجع اللافت، الذي يبدو للوهلة الأولى نتيجة لتقلبات السوق، يخفي وراءه قصة مختلفة عنوانها: "العطاء قبل الثراء". فمنذ قرابة عقدين، اختار غيتس طوعًا تقليص ثروته عبر مبادرات خيرية ضخمة، جعلته يتحول من رمز للثروة التقنية إلى رمز عالمي للعمل الإنساني.
من القمة إلى القرار: "تعهد العطاء"
غيتس، الذي تصدّر قائمة الأثرياء في 18 عامًا من أصل 23 بين عامي 1991 و2017، شارك عام 2010 في إطلاق مبادرة "تعهد العطاء" مع وارن بافيت وزوجته السابقة ميليندا، والتي تهدف إلى تشجيع المليارديرات حول العالم على التبرع بنصف ثرواتهم على الأقل خلال حياتهم أو بعد وفاتهم.
وبالفعل، ضخّت مؤسسة غيتس منذ تأسيسها عام 2000 أكثر من 60 مليار دولار في مشاريع تُعنى بالصحة والتعليم وتغير المناخ ومكافحة الفقر، لتصبح واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية وأكثرها تأثيرًا على مستوى العالم.
الطلاق وتوزيع الثروة
الانفصال عن ميليندا غيتس عام 2021 بعد 27 عامًا من الزواج لم يكن حدثًا شخصيًا فحسب، بل شكّل محطة مفصلية في مسار ثروته. ففي عام 2024، حصلت ميليندا على 12.5 مليار دولار لدعم مؤسساتها الخيرية الخاصة، بعد تنحيها عن مهامها داخل المؤسسة.
هذا التحوّل أعاد تسليط الضوء على الأثر العميق للقرارات العائلية وتخطيط الإرث في إعادة تشكيل قوائم الثروة العالمية، إلى جانب تقلبات الأسواق وتحولات القطاعات الرائدة.
من البرمجيات إلى التأثير
اليوم، لم يعد غيتس مجرد ملياردير سابق، بل أيقونة لفلسفة جديدة في عالم الثروة. فبينما يلاحق منافسوه من عمالقة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس أحلام الذكاء الاصطناعي والفضاء، يركّز غيتس على مكافحة الأمراض، دعم التعليم، والتصدي لتغير المناخ.
وتقدّر المجلة أنه لو احتفظ بكامل حصته في "مايكروسوفت"، لكانت ثروته تجاوزت اليوم 1.2 تريليون دولار، أي ما يعادل 3 أضعاف ثروة ماسك الحالية.
لكن بيل غيتس اختار مسارًا مختلفًا: أن يُعرّف النجاح ليس بما يملكه، بل بما يقدّمه للعالم.